لقد أطل علينا المرجع اليعقوبي المبارك في الأيام القليلة الماضية بقبس مهم تحت عنوان (حقائق في الصراع بين الإسلام وأعدائه)
وقد بيّن فيه التحديات التي يوجهها إبليس وجنوده من الاستكبار العالمي والاستعمار بكل ألوانه وأعوانهم من الداخل والخارج، للإسلام والمسلمين.
وهنا يجدر بنا أن ننوه لأمر في غاية من الأهمية وإن كان هذا الأمر مركوزاً في أذهانكم، وهو أننا نعتقد أن ما يطرحه المرجع من خطابات عبارة عن الرؤى التي تمثل الهوية الإسلامية والمذهبية، والتي يفترض أن يعمل على أساسها أبناء الخط الشريف.
ويتوجب بموجبها على أصحاب المؤسسات المركزية بمعونة المؤسسات الفرعية والنخب الثقافية الإجتماعية وغيرها، وضع خطط لتنفيذ هذه الرؤى المباركة.
وتقسيم المهام بحسب ما تنتجه ورش عمل متخصصة لتؤتي هذه الرؤى ثمارها في المستقبل، بعد توفيق الله تعالى.
وما أود أن أشير له أيضاً هو أن الأحبة لشدة حبهم لقيادتهم في العادة يعقدون ندوات لشرح بعض هذه الخطابات، بينما يفترض أن تكون هذه الخطوة متأخرة أي تكون بعد الورش التي يتم إنجازها من قبل أصحاب الشأن والإختصاص.
كما ينبغي أن لا تكون هذه الندوات لأبناء الخط بل تكون لغيرهم وفي المحافل العامة من جامعات ومعاهد ونخب إجتماعية وسياسية، وغيرها من شرائح المجتمع وفي الأماكن العامة.
ويتكفل منبر الجمعة بيان ما يتوجب بيانه لأبناء الخط، لأن صلاة الجمعة المنبر الإعلامي للخط الشريف، وعلى الجهة والمشرفة على صلاة الجمعة مراعاة ذلك دفعاً للذائع التي يتحجج بها البعض، من عدم حضور صلاة الجمعة المباركة رغم وجوبها، وإن كان من يريد أن يعصي الله جل وعلا يتحجج بألف حجة فنسأل الله تعالى لهم الهداية والصلاح.
ولكي لا نستهلك جهود وأوقات أبناء الخط في أمر سيعلم من خلال صلاة الجمعة المباركة.
بل ما يفترض هو توجيه أبناء الخط للعمل على النتائج والمخرجات التي خلص لها أصحاب الشأن والأختصاص كإجراءات وأوراق عمل.
أيها الأخوة الكرام
أن واحدة من الأسباب التي أدت إلى تحجيم التعريف بالمرجع والتعرف على أفكاره ومنجزاته، هو أن يكون الحديث في العادة من أبناء الخط لأبناء الخط، وكما يقال بالمثل العامي (نذر عياده لولاده).
لذا أكرر هو أن علينا طرح ما يجود به المرجع (دام ظله) لبقية أبناء الأمة، وإن لم يكن على نحو الدعوة للتقليد ولا مانع منه خصوصاً لمن لم يقلد لحد الآن.
ولكن ما عنيته من تعريف موضوع مغاير وهو التعريف بالمرجعية، وعدم تغييب تلك الإفاضات الطيبة ومد جسور المحبة مع الآخرين، ونبذ الفرقة والقطيعة وهو مطلوب من جميع الجهات، ولا أستثني أحداً وفيه خدمة للصالح العام في المجتمع المؤمن على وجه الخصوص، ويسد الباب على الأعداء لأن الفرقة ثغرة ينفذ من خلالها الأعداء، ومن في قلبه مرض.
كما يتوجب علينا كأبناء مرجعيه أن نتحول إلى عاملين وليس جمهور أو متفرجين، فنكون عبئاً على المرجعية بدلاً من أن نكون عوناً لها.
وأما من يدعي الإتباع وهو لا يرضخ لقرارات المرجعية فسيتحول من حيث يعلم أو لا يعلم إلى ناصر للخصوم الأعداء، إن لم يكن خصم أو عدو والعياذ بالله، لذا نسأل الله تعالى الثبات على الحق ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
أيها الأخوة الأكارم
لا يهم حجم وكم ومساحة العمل إذا أدى الإنسان تكليفه، لأن ذلك يحدده قدرات وإمكانيات كل شخص أو جماعة وبحسب الفرص والتحديات.
قال تعالى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}
بمعنى أن عليه أن يبدأ العمل وبنية خالصة، وحينها سيجعل الله تبارك وتعالى له أبواب أوسع لفعل الخير وبالحركة وبركة كما يقال.
فنسأل الله تعالى العون والتوفيق لجميع العاملين في كل الساحات والميادين ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
وأن نكون ممن يشملنا رضا المعصوم عنا ونكون مصداقاً لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن صعصعة بن صوحان كان قليل المؤنة كثير المعونة وليس العكس.
كما أن علينا أن لا نتذرع بحجج واهية لاتقبل إلا من جاهل لا يدرك ما يقول، لأن ساحات وميادين العمل واسعة وكثيرة وقد جعل المرجع (دام ظله) مرونة في إختيار الحقل ونوع العمل أمام المكلف، وهذا ما جعل الحجة قائمة على الجميع ولا حجة لنا أمام الله تبارك وتعالى.
وليكن شعورنا أن عملنا منظور بعين ولي الأمر (عج)، لأن العمل في زمان الغيبة كما قال السيد الشهيد الصدر (قدس سره) أعظم أجراً من زمان الظهور وهو عين ما نطقت به الروايات الشريفة.
وليعلم الجميع أن المرجعية الشاهدة الرشيدة غير محتاجة لنصرتها في شأن شخصي، ولا ترجوا شيئاً لنفسها بل لخدمة الدين و شريعة سيد المرسلين وقد قالها شهيدنا الصدر قدس سره (الدين بذمتكم والمذهب بذمتكم).
والمرجع بفضل الله تعالى قد أدى تكليفه وبقي تكليفنا نحن في إعانة القيادة الدينية سواء في زماننا الحاضر أو الأزمنة اللاحقة، إلى يوم تقوم الساعة والله ولي المؤمنين.
أيها الأخوة الكرام
ولكي نستفيد من الخطاب فقد ورد فيه الكثير من الأمور التي تجري على الساحة وجمعة واحدة لا تكفي لتوضيح ما جاء في القبس المبارك لذا سأوضح جانباً منه للأختصار.
كما أني بنفس الوقت رأيت أن أغلب الأحبة من أبناء المرجعية تناولوا بعض جوانبه التي تتعلق ببعض الأحداث الجارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الدفاع عن المستضعفين من أبناء الإسلام الذين يقع عليهم الظلم والإضطهاد من قبل قوى الإستكبار العالمي، فجزى الله الجميع خير الجزاء وزادهم عزاً وشرفاً.
لكن بقيت مساحات إهمالها وتركها يسبب زيادة في الخسائر غير المبررة، وذلك لقدرة أبناء الدين الحق على تحقيقها وسآخذ مقطع مما قاله (دام ظله) لنتمم جهد بقية العاملين و المجاهدين في الميادين الأخرى.
حيث قال سماحته
ولابد من توسيع معنى المواجهة وإعداد القوة المستفادة من قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، ليشمل كل أشكال المواجهة الإعلامية والثقافية والإقتصادية والأخلاقية والعقائدية مع الأعداء.
وهذا ما دعاني إلى أن أقول بضرورة وجود ورش تنتج أوراق عمل لكل فئة من فئات المجتمع الإسلامي، فمثلاً المرجعية ترى وتؤشر ضعف في التصدي الإعلامي والتبليغي، والذي ذكره السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في الموسوعة المهدوية في الجزء الثاني منها أي في تأريخ الغيبة الكبرى، والذي أسماه الجهاد التثقيفي العقائدي.
وحين نقول الجهاد التثقيفي العقائدي لا نعني به التبليغ في دائرة المجتمع المسلم، لأن هذا واجب من الواجبات المفروغ منها وهما فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي مع الأسف نجد التقصير واضح وبين إلى الحد الذي لا يأمر البعض حتى عياله بطاعة الله، ولا ينهاهم عن معصيته جل وعلا.
مع أن الروايات أعطت لهذه الفريضة منزلة رفيعة منها قول إمامنا الباقر (عليه السلام) : إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر.
ومنه ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي.
بل يعني بالجهاد التثقيفي العقائدي التبليغ والهداية للمجتمعات غير الإسلامية خصوصاً التي تعيش في بلاد الكفر للتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل، لأنهم يمرون بحالة من العطش لتلك القيم النبيلة والعقائد الكريمة التي يحملها الإسلام الأصيل، وهي مهمة ليست بالصعبة بقدر ما تحتاج إلى توفير الأدوات والأساليب المناسبة.
وبذلك يتم سلب العدو عناصر القوة وهي الشعوب لأنها كما عبر الشهيد الصدر الأول الأداة التي تغلب الطغاة قائلاً (الجماهير أقوى من الطغاة).
ولعله هذا ما سيجعل الغرب عاجز عن مواجهة الإمام المنتظر (عج) لأن الطغاة لن يجدوا من يساندهم في تلك المواجهة، وهذا الأمر من أهم منجزات وبركات القوى الناعمة الإسلامية التي تدر على الجميع الأمن والسلام والخير والبركات وهو مصداق لدعائنا حتى تسكنه أرضك طوعاً.
بل يمكن أن تكون هذه الجماهير في زماننا الحالي وإن لم تكن مسلمة بل يكفي أن تكون متعاطفة مع المسلمين، أداة خير لإيقاف نزيف الدم المستباح من دون وجه حق خصوصاً من أطفال ونساء وكهول ليس لهم ذنب سوى أنهم منتمين للإسلام، يرفضون الذلة والأستعباد من قبل الإستكبار العالمي.
والغريب أننا بدل أن نوصل ثقافة الإسلام لغير المسلمين أخذ العدو يسلب بعض المنتمين للإسلام من خلال تلك الحرب الناعمة، حتى أخذوا يروجون في بلاد المسلمين للمثلية والجندر وأمثال تلك الإنحرافات عبر عمالائهم والذين باعوا عزهم وشرفهم لأعدائهم الذين سيتخلصون منهم حال أنتهت مهامهم، كما تخلصوا من عملائهم السابقين.
لكن هل نكتفي بالعويل والويل والثبور أو بتشخيص الداء ومن دس السم في العسل.
أم أن علينا العمل على وضع الحلول الناجعة والعمل بها على أرض الواقع.
وهنا نقول على المؤسسات التبليغية ومن يرعاها أن تعيد النظر من حيث وضع الخطط وأختيار الأدوات والأساليب المناسبة للعمل على تحقيق الشعار الذي رفعه الشهيد الصدر الأول قدس الله سره (الإسلام يقود الحياة)، سواء داخل المجتمع الإسلامي لصيانته وتحصينه من خلال ما نص عليه المرجع (دام ظله) في نفس القبس المبارك حيث قال: من خلال بيان حقائق الدين وإرساء دعائمه، وهداية الناس إلى القادة الحقيقيين وهم أهل بيت النبي الأطهار صلوات الله تعالى عليهم أجمعين وفضح الحكام الفاسدين، وإيقاظ الناس من الجهل الغفلة والتضليل الإعلامي وغسل الدماغ وتشويه المفاهيم.
وكذلك التبليغ في المجتمع غير الإسلامي لنشر الإسلام في البلدان غير الإسلامية، من خلال الحوار الواعي والرصين لإقناع غير المسلمين بما ورد في كلمات سماحة المرجع (دام ظله) في نفس القبس حيث قال: إن الإسلام ليس دين حرب وعدوان وعنف، بل دين سلام وأمان وصلاح وحكمة وأعتدال ووسطية وعمران للحياة الصالحة الطيبة، وإن الآخرين هم الذين يبدأون القتال { ولا يزالون يقاتلونكم } وحينئذ لا يكون أمام المسلمين إلا الدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم.
وهذا يتطلب إستقطاب طلبة من تلك البلدان تكون لهم دروس خاصة تتناسب مع حجم المهمة التي جاءوا من أجلها، وأن يشترط عليهم العودة إلى تلك البلدان التي جاءوا منها نصرة للدين وقادته الغر الميامين أو تعليم بعض الأفاضل من طلبة الحوزة العلمية الشريفة لغات تلك الدول، وأرسالهم لها ليمارسوا هذا الدور الهام والذي يختصر المسافات لرؤية ولي الله الأعظم (عج).
يا أبناء الحوزة الشريفة أن المرجع (دام ظله) جعل شرطاً رئيسياً كي نكون مع الإمام الحسين (عليه السلام) وهو العمل على تحقيق أهدافه وأهمها وظيفة الهداية التي تقدم الحديث عنها حيث قال (دام ظله):
إن وجودنا في صف العاملين لإعلاء كلمة الله تعالى ونشر الإسلام والتعريف بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) وسمو مقامهم ومعالم مدرستهم الشامخة، يحتم علينا إدامة الشكر لله تعالى مع الإعتراف بالعجز عن شكر هذه النعمة التي من الله تعالى بها علينا.
فهي أستجابة للدعاء وتحقيق لأمنية ياليتنا كنا معك، وها نحن اليوم بفضل الله تعالى في معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) ونعمل لتحقيق الأهداف التي خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من أجلها وضحى بنفسه الشريفة ومن معه لتحقيقها، حتى بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة.
وفي موضع آخر أشار لتكليف المرأة وأقصد بالأخص الحوزويات والنخب منهن وأن كانت العقيلة زينب (عليها السلام) قدوة للرجال والنساء معاً حيث قال (دام ظله):
ولنا في العقيلة زينب صلوات الله عليها مثل أعلى في شكل من أشكال الجهاد يعجز عنه أشداء الرجال.
وهنا سماحته (دام ظله) لا يقصد الجهاد العسكري وكما تعلمون أن السيدة زينب (عليها السلام) لم تحمل السلاح بل كان جهادها من خلال الكلمة الصادقة والرصينة التي تعجز الخصوم و الأعداء، وهو عمل المبلغات الواعيات أكتفي بهذا المقدار في هذه الخطبة تارك بقية ما يمكن إيضاحه للخطبة الثانية بحول الله تعالى وقوته.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الغر الميامين
الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري