قبل فترة من الزمن، خرجتُ من الناصرية ضمن قافلة متوجهة لزيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام).
القلوب كانت مشتاقة، والأرواح ترفرف شوقاً،
لكن في قلبي كان شوقٌ من نوعٍ خاص…
شوقٌ للقاء سماحة الشيخ المرجع محمد موسى اليعقوبي (دام ظلّه).
وعند وصولنا إلى النجف، أخبرتُ رفاقي أنني أرغب بلقاء الشيخ، فقالوا لي:
“الحملة ستغادر نحو كربلاء.”
فقلت لهم بابتسامة:
“قلبي مشدود للقاء سماحة الشيخ، وسألحقكم لاحقاً إن شاء الله.”
دخلت إلى مكتبه المبارك، وكان الاستقبال مليئاً بالود والاحترام،
قُدّم لي الشاي العراقي وجلست منتظراً طلعته المباركة.
ثم دخل سماحته، بوجهٍ نوراني يفيض سكينةً وهيبة.
استقبل الزائرين بمحبة وتواضع، وصلّينا خلفه صلاة الظهر.
وخلال اللقاء، اقتربتُ من أحد المشايخ في المكتب، وأبلغته قائلاً:
“أنا من الناصرية، والحملة التي قدمتُ معها توجّهت إلى كربلاء، لكنني بقيت لأتشرف بلقاء سماحة الشيخ، وأتمنى الحصول على صورة معه.”
فذهب ذلك الشيخ وأبلغ سماحة المرجع، ثم همس في أذنه قائلاً:
“يا شيخنا، هذا الشاب من الزائرين، جاء من الناصرية، وبقي وحده رغبةً في لقائكم.”
فنظر إليّ سماحته بعينٍ حانية وقال بلطفٍ عاتب:
“ليش أخّرتوه؟ ليش ما گلتولي من البداية؟”
كلماتٌ قصيرة… لكنها كانت كفيلة بأن تُغرق قلبي بالسعادة،
أحسست حينها أن سماحته كان قريباً مني في كل لحظة،
قريبٌ بروحه، بقلبه، بحنانه.
وعند التقاط الصورة الجماعية، جلستُ في الصف الأمامي احتراماً لكبار السن، كوني أصغر الحاضرين،
لكن المفاجأة كانت حين وضع سماحته يده على متني وقال لي
“تعال انت بصفي، لأن تطلبني.”
شكد لحظة عظيمة…
كلمة اختصرت الكثير، وتركت أثراً لا يُمحى من القلب.
وأما الذين لا يعرفون سماحته إلا من خلف الشاشات، ويُسيئون له،
أو يتمنّون أن نتركه، فنقول لهم:
نحن لم نحبّه صدفة، ولم نتّبعه تقليداً،
نحن عرفناه… سمعناه… رأيناه… وعايشناه.
لم نقرأه من منشور، بل قرأناه من حياته… من خلقه… من نوره.
فلا تطلبوا ممن ذاق الطمأنينة أن يعود للحيرة،
وسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظلّه)،
ليس مجرد مرجع… بل هو هوية، ووعي، ومسيرة.
(وبالنسبة للّي يسقّطون؟ نعرف نميّز بين نقد نابع من عقل، وبين نقيق نابع من جهل… فـ لا تتعبون نفسكم، نحبّه عن قناعة، مو عن قطيعة!)!
محمد الزيدي