التعاون الإيجابي هو الأصل في العلاقات الاجتماعية الحسنة التي حض عليها القرآن الكريم ، فالأصالة بحسب
الفطرة والعقل والدين للتعاون الايجابي ، إذ أن أي عاقل عندما يرى الخيرات والطاقات ولا يستطيع الفرد الواحد
على تحصيلها وتحقيقها يقول لك بلسان عقلائي :فلنتعاون لما فيه كل الخير للجميع .فلنضع أيدينا بأيدي بعض لتتشابك وتنتج خيرا لنا جميعا . أما التعاون السلبي أو اللا تعاون فهو
استثناء وليس أصلا أصيلا كما هو واضح ، فلا يوجد أي عاقل يرى كل خيرات الدنيا وايجابياتها ويعلم أن الفرد لوحده لا يستطيع
تحصيلها ثم يقول لك : إياك والتعاون . ولا يوجد عاقل يقول لك : عليك أن تتعاون مع الآخر تعاونا سلبيا شريراً من أجل تخريب
الحياة إرضاء لأنانيتك وشهواتك الشخصية .
يقول الله المتعال { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . فالتعاون إذا تارة يكون ايجابيا وأخرى سلبيا ، وتارة
يكون في موضوعات تخص الصلاح والفساد وأخرى في موضوعات تتعداهما من الصلاح إلى الاصلاح ومن الفساد إلى الإفساد .
المطلوب من الانسان ان يكون من اهل التعاون الايجابي من خلال أمرين هما.١ – التعاون مع الآخرين من أجل إصلاح النفس وتهذيبها وحملها على فعل الواجبات وترك المحرمات وربما فعل المستحبات وترك
المكروهات بصور جزئية أو حتى كلية .
فيقول المتعاون مع الآخر : هلم بنا لمنع أنفسنا عن كذا وكذا مما لا يرضي الله . هلم بنا لنحمل أنفسنا على الصلاة الكذائية
والذكر الكذائي وإحياء الليلة العبادية الكذائية وحضور المجلس العبادي الكذائي والابكار للحضور إلى المسجد والابتداء بالبرنامج
الكذائي والامتناع عن الأفعال والحالات والعادات والملكات الأخلاقية الرذائلية الكذائية وهكذا .
٢ – التعاون مع الآخر من أجل تحقيق أمور إيجابية تتعدى تهذيب الذات وتقوى النفس لتصب في خدمة دين الله المتعال وخدمة
عباد الله ، فيقول المتعاون مع الآخر : هيا لنشجع على الصدقات ! هيا لنساعد المحتاج الفلاني ! هيا لحل المشكلة الكذائية عند
فلان ! هيا لنشيد المعلم العبادي الفلاني ! هيا للخدمة الحسينية ! هيا للخدمة الجهادية ! هلم بنا لتنظيف الشارع الكذائي ! هلم بنا لتوزيع العطر على المصلين ! هيا لاحياء امسية قرانية !
هيا ندعم قارئ القران الكذائي ! هيا لخدمة المسجد الفلاني وتنظيفه وتزيينه ! هيا لتأمين اللباس الشرعي للحديثات عهد
بالتكليف !! هيا لتأمين عمل لفلان ! هيا لتوزيع الطعام على حبه ! هيا لكفالة يتيم ! هيا لهداية ضال ! هيا لادخال السرور على
قلوب من حولنا ! هيا للجلوس مع الشبان والإصغاء لمشاكلهم وهمومهم !
هيا لتأمين هدية للعروسين ! هيا لتوزيع الهدايا على الأطفال ! هيا لإعطاء جرعات الحنان للايتام !! هيا لننشر الحب والتواد ! هيا
للسعي من اجل بناء مستشفيات ومدن افراح للاطفال ومدارس غير تجارية ! هيا لرعاية المسنين بطرق حديثة لا اذلال فيها ! هيا
لبناء مساكن للمطلقات والارامل اللواتي لا سكنى لهم مع ضابطة الحفاظ على أعراضهن وكرامتهن !
هيا لتوعية وإرشاد الأسر للقربة المطلقة دون قصد الترويج لمؤسسة أو جمعية لا تهتم إلا باسمها ورسمها !! هيا لترشيد الاطباء
ليعودوا إلى مهنة الإنسان لا مهنة المسالخ !! هيا لتحويل القروض إلى قروض لاربوية !! هيا لفعل كل خير ينفع الناس !! وبمقابل
التعاون الايجابي المطلوب من الإنسان عدم التعاون السلبي الذي بدوره ينقسم الى قسمين :
١ – التعاون على فساد الذات وعدم تهذيبها وحملها على ارتكاب المحرمات وترك الواجبات ، والاتصاف بالأفعال والحالات والعادات
والملكات الرذيلة .
فيقول المتعاون مع الآفخر بهذا النحو من التعاون السلبي الشرير : هلم لنترك الصلاة ونكمل ما نحن عليه من اللهو ! هلم لنكذب
كي نكسب مرادنا ! هلم لنذهب للمكان الفلاني لارتكاب محرم فنحن أولى بهذه اللذة ! هلم لنسهر السهرة الغنائية الكذائية !
هلم لنترك اهل المسجد مع مسجدهم ونؤدي قسطنا بالمراقص !! هلم لنترك اهل القران مع قرانهم ولنطلق لأنفسنا العنان لتحقيق ما تحب وتشتهي حتى ولو من غير الحلال ! وهكذا يتم التعاون ها هنا على حمل النفوس لارتكاب الحرام والتهاون بالواجبات وخلق التبريرات وما أشبه والجو جو تشجيع وحث وتحريض على المضي بهذا التعاون الاثم .٢ – التعاون على الافساد ونشر الضلال بين الناس والعدوان على الاخرين والتفنن بايذاء الغير ، فيقول المتعاون للآخر : هلم لنكيد لفلان ! هلم لنخرب المشروع الفلاني ! هلم لنفسد فرحة فلان ! هلم لنغيظ فلان ! هلم لنثني فلان عن اجتهاده بالدرس والتحصيل ! هلم لتكذيب فلان ولنشهد شهادة زور بحقه ! هلم للسرقة ! هلم لانشاء مركز ربوي ! هلم لفتح مخمرة ! هلم لعقد سهرة غناء وطرب ! هلم لاستغلال فقر فلان وحاجة فلان لابتزازه ! هلم للتزوير ! هلم لنشر فضائح وعيوب الناس ! هلم للقتل والفتنة والنميمة وقطيعة الرحم والغش ، والكثير من التعاون الباطل الآثم من قبيل العمالة والخيانة والمقامرة والقيادة والفحش
والاجهاض الذي يشترك فيه كل من الاب والام والطبيب او من الام والطبيب ، وكذا من قبيل الاحتكار والربا وقذف المحصنات وغير
ذلك مما هو معدود من مفردات الحرام والباطل والاثم والعدوان .
إن الزوج الذي يتعاون مع زوجته على الإثم والعدوان والمعاصي والموبقات والجرائم إنما هو وزوجته على نهج أبي لهب وأم لهب ،
وهند وزوجها ، وإن الفرد الذي يتعاون مع أقاربه ضد مؤمن قال كلمة حق إنما هو على نهج أبي جهل وأبي سفيان ! { وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } : يعني تعاونوا على الإحسان وعلى فعل كل وجوه وأنواع البر ، وتعاونوا على تقوى الله المتعال ، وعلى نشر الوية التقوى في كل الساحات والباحات .
{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } يعني : لا تتشارك مع أحد على الإثم ، ولا تعن أحدا على الاثم ، وإياك أن تتشارك مع أحد على
العدوان ، فلا تشارك احدا في عدوانه على الآخر حتى لو كلو كان المعتدي ضوء عينيك كما يقولون ، فمن نمك فعن النميمة امنعه
، ومن أراد دعمك في كذبه فعلمه الصدق ، ومن اشركك في مكايدة مؤمن فارفض شراكته ، ومن إغتاب أمامك ليرضيك فصده ،
ومن دعاك إلى حرام فإنه . {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} : المتعاونون على الكذب والنميمة والغيبة وقطيعة الرحم والكيد
للمؤمنين والأذية وإن كانوا أحباء إلا أنهم في الأخرة أعداء {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عدو} .