قامت السيدة أم البنين برعاية سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانتيه وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد أمّهما سيدة نساء العالمين فقد توفّيت، وعمرها كعمر الزهور فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما.
لقد كانت السيدة أم البنين تكنّ في نفسها من المودّة والحبّ للحسن والحسين عليهما السلام، ما لا تكّنه لأولادها اللذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم.
لقد قدّمت أم البنين أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله على أبنائها في الخدمة والرعاية، ولم يعرف التاريخ أن ضرّة تخلص لأبناء ضرّتها وتقدّمهم على أبنائها سوى هذه السيدة الزكية، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودّتهما في كتابه الكريم، وهما وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله، وريحانتاه، وقد عرفت أم البنين ذلك فوفت بحقّهما وقامت بخدمتهما خير قيام.
دورها وأولادها في كربلاء
وفي قصة كربلاء وقضية عاشوراء التاريخية قدمت أم البنين عليها السلام إلى الله عزَّ وجل أولادها الأربع، حيث استشهدوا بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
أما هي بنفسها عليها السلام فلماذا لم تأت إلى كربلاء؟
لم يذكر التاريخ السبب في ذلك – حسب التتبع الناقص -، فلعلها كانت مريضة – كما حكي عن فاطمة الصغرى – أو مشتغلة برعاية أولاد بنيها، أو غير ذلك مما علمه عند الله سبحانه.
رزقت أم البنين من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أربعة أولاد كلهم استشهدوا في معركة الطف الخالدة بكربلاء، وقد أظهرت هذه المعركة بشكل واضح جلي إخلاص آل البيت الكريم وتضحيتهم في سبيل إعلاء كلمة الإسلام والحق، وتمسكهم في الدفاع عن المثل العليا والكرامة ضد الجبروت والطغيان، فضربوا بذلك مثلاً يقتدى به في التضحية ونكران الذات، وكان أبرز شجعان هذه المعركة أولادها الأربعة وهم: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأمهم أم البنين فاطمة بنت حزام، ومحمد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السلام.
لقد كان هؤلاء الأبطال المثل الأعلى للناس آنذاك في النهوض والاستبسال والتحرر من ذل الخنوع والكسل والجهل، فمن يتبصر في سيرهم يقف إجلالاً لهم وإعظاماً لمقامهم الشامخ، ويصح فيهم قول الشاعر:
مــــن تــــلقَ فـــيهم تقل لاقيت سيدهم مثل النــــجوم التي يسري بها الساري.