تستطيع المرأة أن تكون مثلاً وأسوة للرجال والنساء معاً، كما ضرب الله تعالى مثلاً في امرأة فرعون ومريم ابنة عمران للذين آمنوا وهو عام يشمل الرجال والنساء معاً[2]، والمثل الآخر هي السيدة المباركة أم سلمة (رضي الله عنها) زوج النبي (ص) قمة من قمم الإسلام الشامخة في عصر ولادته واخضرار عوده، بما أتصفت به من الإيمان والتسليم لله تعالى وللرسول الكريم (ص)، ومكارم الأخلاق والثبات على الحق والتضحية في سبيله ومقارعة الظالمين والفاسدين والمنحرفين وطلاب الدنيا، لم تزغ عن الحق ولم تتأثر بهوى أو مطامع أو عصبية أو رياء أو سمعة أو جاه، لذلك أحبّها النبي (ص) وآثرها على سائر نسائه بعد السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها).
أن من يطلّع على السيرة العطرة للسيدة أم سلمة (رضي الله عنها) ينبهر بها، ويجد فيها الأسوة الحسنة للرجال والنساء معاً، ويعيش معها المراحل المتنوعة التي مرّت بها الدعوة الإسلامية المباركة منذ التباشير الأولى لارتفاع صوت التوحيد من المسجد الحرام حينما صدع به النبي الأكرم (ص)، حيث كانت أم سلمة (رضي الله عنها) من اللبنات الأولى في بناء الإسلام العظيم مع زوجها أبي سلمة، فلذكرهما خصوصية في قلوب المؤمنين الرساليين الذين يتذوقون عصر نزول القرآن والنقلة العظيمة التي أحدثها النبي (ص) في حياة البشرية.
ثم عاشت مرحلة المعاناة والاضطهاد والتعذيب من طواغيت قريش مما ألجأتهم إلى الهجرة عن مكة إلى الحبشة أولاً، ثم إلى المدينة المنورة حيث عاشت مع النبي (ص) انتصارات الإسلام واتساع رقعته.
إلى أن حصلت الرزية بوفاة النبي (ص) وانقلاب الأمة على الأعقاب وإزالة الحق عن مستقره، وما تلاه من فتن واضطراب واقتتال واقصاء لولاة الأمر الشرعيين وانتهت بمقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه الكرام، وهنا توقف القلب الكبير ولم تستطع الحياة بعده فانتقلت إلى جوار ربها الكريم، وهي في جميع تلك المراحل كانت بمستوى المسؤولية وثابتة في الموضع الذي يريده الله تعالى ورسوله (ص).
وإن من أوضح جوانب حياة أم سلمة (رضي الله عنها) ومواقفها: الولاء لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين) والدفاع عن حقهم، والشهادة بما سمعت من رسول الله (ص) في فضلهم وتقدمهم على الناس جميعاً.
إن التأمل في سيرة أم سلمة (1) والأحداث التي اكتنفتها سيكتشف:
1- عظمة النقلة التي أحدثها الإسلام ببركة القرآن الكريم على يد قائده العظيم النبي محمد (ص) في حياة الناس، حيث ارتقى بهم من حضيض الجاهلية الرعناء إلى قمة الإيمان والسمو والطهر والعزة والحرية.
2- تقديم الأسوة الحسنة للرجال والنساء في العفاف والثبات والجهاد والتسليم والطاعة من خلال أبي سلمة وأم سلمة (رضوان الله تعالى عليهما).
3- مكانة المرأة في الإسلام وأن دورها لا يقل أهمية وحيوية عن الرجل.
4- البصيرة والنظرة الثاقبة لقائد الإسلام العظيم.
5- المراحل المتنوعة التي مرّت بها الرسالة الإسلامية من انطلاقتها المعذبة في مكة إلى ازدهارها في المدينة ثم النكوص على الأعقاب بعد وفاة النبي (ص)، حتى الوصول إلى أسفل السافلين بقتل سيد شباب أهل الجنة (سلام الله عليه).
6- كواليس ما كان يجري في داخل بيت النبي (ص) من تصرفات بعض أزواجه الرعناء والحمقاء وانقسامهن إلى حزبين، ومضي النبي (ص) في مشروعه العظيم من دون اكتراث للحركات الصبيانية والمؤامرات داخل بيته وأسرته مع أذاه النفسي البالغ بها.
7- عرض لبعض جوانب السيرة النبوية المباركة من خلال روايات أهل البيت (ع) لإصلاح الاسفاف الذي حفلت به مصادر العامة، وهو نقص يسجَّل على المؤلفات الشيعية كما نبهنا في كتاب (الأسوة الحسنة) قبل حوالي عشرين عاماً، وقد حصلت نهضة مشكورة خلال هذه المدة بفضل الله تعالى.
وتشير الروايات الشريفة إلى أنّ أم سلمة (1) أفضل أزواج النبي (ص) بعد السيدة الجليلة خديجة الكبرى بنص الحديث عن الإمام الصادق (ع) في أزواج النبي (ص) قال: (وأفضلهن خديجة بنت خويلد ثم أم سلمة (1) ثم ميمونة بنت الحارث)([3]).
وشهد لها النبي (ص) بسمو الدرجة في أحاديث نزول آية التطهير الآتية قال (ص) فيها: (يرحمك الله، أنت على خير، وإلى خير، وما أرضاني عنك).
كانت من السابقين الأولين إلى الإسلام وهذا شرف عظيم، وحينما بُعِث النبي (ص) بالنبوة كانت يومئذٍ فتاة دون العشرين من عمرها([4])، بارعة الجمال([5]) من عشيرة لها زعامة في قريش وهم بنو مخزوم الذين وصفهم أمير المؤمنين (ع) بأنهم ريحانة قريش([6])، وتعيش مترفة في أسرة ثرية، فقد كان أبوها (أبو أمية المخزومي) من أجواد قريش المشهورين بالكرم ويُعرَف بـ(زاد الراكب) لأنه كان إذا سافر لم يحمل أحدٌ معه من رفقته زاداً لأنه كان يكفيهم، وهو الذي أشار على قريش بتحكيم أول داخل من باب الحرم في من يضع الحجر الأسود في مكانه حينما أرادوا إعادته بعد الانتهاء من بناء الكعبة فتراضوا به، بعد أن تواثبوا للقتال، وكان الداخل رسول الله (ص)([7]).
وعمها الوليد بن المغيرة الذي كان يُعرَف بـ(عدل قريش) لأنه كان يكسو الكعبة سنة وتكسوها قريش في السنة الأخرى.
لكن هذه الدنيا المقبلة عليها بمفاتنها لم تمنعها من الالتحاق بالدعوة الإسلامية المباركة([8])، رغم أن أسرتها ضمّت عتاة أعداء النبي (ص) كابن عمها أبي جهل، وعمها الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه تهديد الله تبارك وتعالى ووعيده {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا} [المدثر : 11-12] إلى قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)} [المدثر :26-29]، وأبنه خالد بن الوليد قائد فرسان قريش في الالتفاف على جيش المسلمين يوم أُحد، وأخيها لأبيها عبد الله بن أبي أمية، قال في الاستيعاب: ((كان شديداً على المسلمين مخالفاً مبغضاً وهو الذي قال: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو يكون لك بيت من زخرف وكان شديد العداوة لرسول الله (ص)))([9]) وأبن عمها عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة الذي أوفدته قريش مع عمرو بن العاص إلى ملك الحبشة مع هدايا لاسترداد المسلمين المهاجرين([10]).
تزوجت أبا سلمة في بداية الدعوة الإسلامية المباركة – وأبواهما أبناء عم – وأمه بَرّه بنت عبد المطلب، وبين الأسرتين القرشيتين بني هاشم وبني مخزوم مصاهرات عديدة، فأم عبد الله والد النبي (ص) وأبي طالب مخزومية من أبناء عمومة والد أم سلمة (1) والوليد بن المغيرة.
وكان أبو سلمة حادي عشر السابقين إلى الإسلام، فعاشت معه معاناة المسلمين من طواغيت قريش وتعذيبهم لردّهم عن دين الإسلام أو قتلهم كوالدي عمار بن ياسر.
ولما أشتد أذى قريش على المسلمين كان أبو سلمة من الأوائل الذين هاجروا بظعائنهم إلى الحبشة مع زوجه أم سلمة (1) وهي عروس دون العشرين من عمرها وأقدمت على هذا المستقبل الوعر المجهول ومن ورائهم قريش تطاردهم بفرسانها لتردّهم إلى دين الجاهلية قسراً، وكان من لطف الله تعالى أن وجدوا سفينة تجارية تريد عبور البحر إلى الحبشة فركبوها قبل أن تدركهم قريش.
ولما وصلت إلى الحبشة أخبار عن إيمان قريش بما جاء به النبي |([11]) وأن المسلمين أصبحوا في أمان عاد جمعٌ من المهاجرين إلى مكة ومنهم أبو سلمة وزوجه، فاكتشفوا كذب تلك الأخبار ورأوا ما ينزل بالمسلمين من التعذيب والقتل، فدخلوا في جوار ليحموا أنفسهم، ومنهم أبو سلمة حيث دخل بجوار خاله أبي طالب وحماه من قريش.
ولما ضاقت مكة بالمسلمين بعد وفاة أبي طالب أمر الرسول، المسلمين بالهجرة إلى المدينة فكان أبو سلمة وأم سلمة من أوائل المهاجرين إليها، قال أبو نعيم: ((كان أبو سلمة أول من هاجر من قريش إلى المدينة قبل بيعة رسول الله | الأنصار بالعقبة، ومعه امرأته أم سلمة (1))) وروى في الإصابة ((إنها أوّل امرأة خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأول ظعينة دخلت المدينة)) ([12]).
كان أبو سلمة من الأفذاذ الذين ملئوا إيماناً بالله تعالى وطاعة لرسول الله (ص)، قال في أسد الغابة عن أبي سلمة: ((وشهد بدراً وأحداً ونزل فيه قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} [الحاقة: 19]))([13])
ومن فرط حبها ووفائها لزوجها أرادت أن تعاهده على عدم الزواج من غيره إن أصابه مكروه، لكن أبا سلمة الرسالي الواعي نهاها عن ذلك، لأن بقائها بلا زواج مخالف للسنة الشريفة، وهي أمراه شابة وعندها أيتام، قال الذهبي: (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لأَبِي سَلَمَةَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوْتُ زَوْجُهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ، إِلاَّ جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا فِي الجَنَّةِ، فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ أَلاَّ تَزَوَّجَ بَعْدِي، ولاَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَكِ. قَالَ: أَتُطِيْعِيْنَنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: إِذَا مِتُّ تَزَوَّجِي، اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ يُحْزِنُهَا وَلاَ يُؤْذِيْهَا.
فَلَمَّا مَاتَ، قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَمَا لَبِثْتُ، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ عَلَى البَابِ فَذَكَرَ الخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيْهَا، أَوِ ابْنِهَا…)([14]).
ولم يكن لأم سلمة في المدينة بعد وفاة زوجها أحد من ذويها غير صبيةٍ صغارٍ كزَغْبِ القطا، فحزن المسلمون لمصابها أشد الحزن، وأطلقوا عليها اسم {أَيِّمِ العَرَب})([15]).
توفي أبو سلمة في السنة الرابعة من الهجرة على المشهور متأثراً بجراحه أصابته في معركة أحد، وحضر النبي (ص) عنده حين الاحتضار وأغمض عينيه بيده الشريفة وأوصى أهله بالصبر وقال لهم: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنّون على ما تقولون) وصلّى النبي (ص) عليه بتسع تكبيرات فقيل له: يا رسول الله: أسهوت أم نسيت، فأجاب: (لم أسهَ ولم أنسَ، ولو كبّرت على أبي سلمة ألفاً كان أهلاً لذلك)([16]).
لم تبلغ أم سلمة (1) الثلاثين من عمرها حين وفاة زوجها ولها أربعة أبناء أو ثلاثة، قال في الطبقات: (فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر فردته. ثم خطبها عمر فردته. فبعث إليها رسول الله (ص). فقالت: مرحبا برسول الله وبرسوله. أخبر رسول الله أني امرأة غيرى – أي موصوفة بالغيرة – وأني مصبية – أي عندها صبيان – وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد. فبعث إليها رسول الله. ص، أما قولك إني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك. وأما قولك إني غيرى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك. وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني، قال: قالت: يا عمر قم فزوج رسول الله.
أقول: لم ترد بذلك وضع عراقيل أمام زواجها من النبي (ص) ولا فرض شروط، وإنما أرادت أن تستثمر الفرصة لتحصل منه على كمالات تسمو بها درجتها لأن الغيرة تعيق كمالها([17]) وقد تسبّب لها ردود أفعال تنافي الأدب مع رسول الله (ص) فرغبت في انتزاعها، وقد أعطاها الله تعالى ذلك فقد ترفعت عما كانت تتعامل به الأزواج الأخريات من الغيرة والمشاحنة والكيد والتجاوز على مقام النبي (ص)، وقد كانت ازواج النبي (ص) ((يتحاكمن إلى أم سلمة (1) لعلمهن ببراءتها من الغيرة))([18]).
كما أنها أرادت ضمان التربية الصالحة لأبنائها برعاية رسول الله (ص) وأنها خشيت أن تسبب لها مسؤوليتها عن أربعة أبناء تقصيراً ما في حق رسول الله (ص).
ولسعادتها الغامرة بهذا الزواج المبارك فقد بادرت إلى القيام بأعمال البيت في ليلة عرسها، وعملت عصيدة للنبي (ص) فكان طعام ليلة العرس، قال ابن سعد: ((إن أيّم العرب دخلت على سيد المسلمين أول العشاء عروساً، وقامت من آخر الليل تطحن، يعني أم سلمة (1))([19]).
وقد وجد فيها النبي (ص) بعض ما كان يجده في خديجة من السكن والأنس وشمائل الزوجة الصالحة التي تسعد زوجها، روى ابن سعد في الطبقات عن الزهري أن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: (إن أم سلمة (1) قد كان لها عند رسول الله (|) منزلة ومحبة)([20]).
ومن مناقبها نقلها تسبيح السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع).
وابتليت بغيرة بعض أزواج النبي (ص) من حين دخولها بيته وروى البخاري عن عائشة قالت: ((ان نساء رسول الله صلى الله عليه و(وآله) وسلم كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة (1) وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم)))([21]).
أقول: كانت أم سلمة (1) تحمي منهاج رسول الله (|) وتعاليمه ووصاياه في مقابل حزب الطامعين والحاسدين والموتورين الذين يتربصون بالنبي (ص) وآله وقد جعلوا عائشة وحفصة واجهتين لهم في دار رسول الله (ص).
وكانت السيدة أم سلمة (1) عالمة فقيه حيث وعت اهتمام القرآن الكريم بالعلم والتفقه في الدين فحرصت عليه، وهي في بيت أصل الرسالة ومهبط الوحي الأمين وحليلة سيد المرسلين (ص) فالفرصة أمامها عظيمة، والحجة عليها بالغة، لهذا اهتمت بتلقي العلم عن رسول الله (ص)، حتى قال عنها الذهبي: ((وكانت تعدّ من فقهاء الصحابة))([22]).
وكانت النسوة يوسطهّا لدى رسول الله (ص) في بعض المسائل التي تستحي المرأة منها كغسل الجنابة والحيض.
وقد جاءت أقوالها ومتبنياتها الفقهية موافقة للشرع المحمدي الأصيل الذي بلّغه اهل البيت (ع) خلافاً لمدرسة الصحابة التي تعرضت للتشويه والتأويل والتحريف، ونذكر لذلك مثالين:
أ- جواز التمتع بالعمرة إلى الحج، فقد روى أحمد في مسنده وغيره بالإسناد عن أبي عمران أسلم ((أنه قال: حججت مع مواليّ، فدخلت على أم سلمة (1) زوج النبي (ص): أعتمر قبل أن أحجّ؟ قالت: إن شئت أعتمر قبل أن تحج، وإن شئت بعد أن تحج، قال: فقلت: أنهم يقولون من كان صرورة فلا يصح أن يعتمر قبل أن يحج، قال: فسألت أمهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت. فرجعت إليها فأخبرتها بقولهن، قال: فقالت: نعم وأشفيك، سمعت رسول الله (ص) يقول: أهلوا يا آل محمد بعمرة في الحج))([23]).:
ب-مسألة جواز رضاع الكبير لنشر الحرمة الذي أفتت به عائشة واعترضت عليها أم سلمة (1) بقوة وكذا بقية أزواج النبي (ص) ((حيث كانت عائشة تأمر بنات إخوانها وبنات اخواتها أن يرضعن من أحبّت أن يدخل عليها ويراها خمس رضعات وإن كان كبيراً ثم يدخل عليها، لكن أم سلمة (1) قالت: أبى أزواج النبي (ص) أن يدخلن عليهنّ أحداً بتلك الرضعة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا))([24]).
ورووا أن أم سلمة (1) سألت عما يحرم بالرضاع؟ فقالت: قال رسول الله (ص) (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام)([25]) لكنهم برروا لعائشة أنها رخصة خاصة بها في قضية سالم.
كانت أم سلمة (1) ذات شخصية قوية فاعلة ومؤثرة، فرضت نفسها على بقية أزواج النبي (ص) حتى كنَّ يراجعنها في حلِّ الخلافات بينّهن بما تمتاز به من الحكمة والاتزان والبصيرة.
ولوفور عقلها فقد كان النبي (ص) يعرض عليها بعض ما يهمه ويستمع إلى رأيها ويأخذ به([26])، من ذلك ما جرى في الحديبية لما فرغ النبي (ص) من كتاب الصلح مع قريش في الحديبية وما تضمنه من رجوعه عن زيارة البيت الحرام في ذلك العام ((قال رسول الله (ص) لأصحابه: قوموا فانحروا ثم أحلقوا، فوالله ما قام رجلٌ منهم حتى قال ذلك ثلاث مرا، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة (1) فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة (1): يا نبي الله أتحب ذلك؟ قال نعم، قالت: فأخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، فقام النبي (ص) فخرج فلم يكلم أحداً منهم كلمةً حتى فعل ذلك: نحر بُدنه، ودعا بحالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا))([27]).
شاركت أم سلمة (1) في أكثر معارك الإسلام الكبرى مع النبي (ص) وكان يصحبها أكثر من غيرها من أزواجه لتؤدي الوظائف اللائقة بالنساء، إذ أنهن غير مكلفات بالقتال، أخرج في المعجم الصغير عن أم سلمة (1) قالت: (يا رسول الله أخرج معك إلى الغزو فقال يا أم سلمة إنه لم يكتب على النساء جهاد فقالت أداوي الجرحى وأعالج العين وأسقي الماء قال فنعم))([28]) .
فخرجت مع النبي (ص) إلى غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة الخامسة([29]) للهجرة، وكانت مع النبي (ص) في قبته في معركة الخندق، وروت بعض تفاصيل الواقعة وما حلّ بالمسلمين من خوف([30]) واصطحبها النبي (ص) في غزوة بني قريضه([31])، وكانت حاضرة في صلح الحديبية وقد نقلنا رأيها الحكيم الذي قالته لرسول الله (ص).
وكانت قريبة إلى الحدث في غزوة خيبر، فقد روي عنها قولها ((سمعت وقع السيف في أسنان مرحب))([32]).
وخرجت مع رسول الله (ص) إلى غزوة الطائف بعد مشاركتها في معركة حنين في السنة الثامنة للهجرة.
كما أدّت وأزواج النبي (ص) حجة الوداع، وروت فيها قول النبي (ص) (إنما هي هذه الحجة ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت)([33]).
تأدبت بأدب النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين كإيثار الفقير بطعامها تأسياً بما فعله علي وفاطمة والحسنان (صلوات الله عليهم) ونزلت فيهم سورة هل أتى.
وكانت تسارع إلى كل ما يحبّه رسول الله (ص) وتزهد فيما يزهد فيه من أمور الدنيا وإن كان حلالاً، روى عطاء عن أم سلمة (1) قالت: ((دخل النبي (ص) وعليَّ شعيرات من ذهب فأعرض عني، فقلت: يا رسول الله ألا تنظر إلى زينتي؟ فقال: عنها أعرض، فقطعّتُها، فأقبل إليّ بوجهه))([34]) تأسياً بالسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حينما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) على باب دارها إزاراً ملوناً.
وكانت تراعي أكمل حالات الستر والعفاف لأن (العفة رأس كل خير)([35]).
وتعلّمت منهم (صلوات الله تعالى عليهم) شراء العبيد وعتقهم([36])، وربما اشترت الصغار حتى تربيهم وتفقههم ثم تعتقهم.
وكانت تتفقد المؤمنات وتسأل عن أوضاعهن وتسعى لقضاء حوائجهن.
ومما تقدم يمكن تحصيل عدة أغراض ومصالح ترتبت على زواج النبي (ص) من أم سلمة:
1- تطمين المسلمين الذين كانوا في حالة حرب وجهاد مستمرة مع المشركين وسائر الأعداء، وهذه الحروب تخلّف شهداء وأرامل وأيتام، فقد يتسبب القلق على مستقبل النساء والأطفال ضعفاً في همم المقاتلين وتقاعساً، لكنهم لما يرون القائد الأعلى للدولة يهتم بمصير عوائلهم ويحفظ لها كرامتها ومستقبلها يتبدد ذلك القلق.
2- تعويض ما افتقده (ص) بوفاة خديجة من السكن والأنس والطمأنينة والمواساة في الآلام وتخفيف المعاناة والمصائب.
3- تأليف قلوب قبيلة بني مخزوم التي كانت تقود الحرب على رسول الله (ص)، وقد أعقب زواج النبي (ص) إسلام عدد من رموزهم المعادين كابن عمها خالد بن الوليد عام الحديبية وأخيها عبد الله عام الفتح.
4- نقل بعض أحوال رسول الله (ص) وعلومه وأحكامه بأمانة وصدق لمنع النقل المشوه التي ستقوم به ازواج أخريات.
5- أيجاد الضد النوعي لبعض ازواج النبي (ص) التي ستقود المؤامرات وتحريف خط الرسالة والخروج على إمام الحق.
6- أيجاد السند والحجة من داخل البيت النبوي الشريف لأمير المؤمنين (ع) والدفاع عن حقه ونصرته ونقل أقوال رسول الله (ص) فيه.
كانت أم سلمة (رضي الله عنها) راسخة الولاء لأهل البيت (ع) لما سمعته من النبي (ص) فيهم، وأختصها النبي (ص) بعقد اجتماعه مع أهل بيته المعصومين علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) في بيتها – أي غرفتها الخاصة – وغطاهم بكسائها ونزلت فيهم آية التطهير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
وروى الشيخ في أماليه بسنده عن الإمام الحسن السبط (ع) في حديث طويل قال فيه: (وقد قال الله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) أنا وأخي وأمي وأبي فجلّلنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها: فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة 1: أدخلُ معهم يا رسول الله؟ فقال لها (ص): يرحمك الله، أنت على خير، وإلى خير، وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم)([37]).
ومما نقلت (1) عن رسول الله (ص) في فضل علي (ع) ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الاخبار بسنده عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: (إن رسول الله | قال لام سلمة 1: يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا وأخي في الآخرة.
يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة.
يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا وحامل لواء الحمد غدا في القيامة.
يا أم سلمة: اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي.
يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
قلت يا رسول الله من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثونه بالبصرة. قلت: من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. ثم قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان)([38]).
وقد أكثرت (رضوان الله عليها) الروايات عن النبي (ص) في فضل علي (ع) ومنزلته من رسول الله (ص) حتى سألها أبن عباس قال: (قلت لأمّ سلمة زوج النبيّ: إنّك لتكثرين من [ال] قول الطيّب في عليّ بن أبي طالب دون نساء النبيّ (ص) فهل سمعت من رسول اللّه (ص) في عليّ شيئا لم يسمعه غيرك؟
قالت: يا ابن عبّاس أمّا ما سمعت من رسول اللّه (ص) فهو أكثر مما أقدر أن أخبرك به ولكنّي أخبرك من ذلك بما يكفيك ويشفيك سمعته يقول في عليّ قبل موته بجمعة فإن زاد على جمعة فلن يزيد على عشرة أيّام وهو يقول في بيتي قبل أن يتحرّك إلى بيت عائشة وقبل أن يقطع الطواف على نسائه فدخل عليّ بن أبي طالب فسلّم حفيّا توقيرا لرسول اللّه (ص) وردّ عليه معلنا كالمسرور بأخيه المحبّ له ثمّ قبض على يده فقال: عليّ. قال: نعم يا رسول اللّه. قال: يا عليّ أنت أخي في الدنيا والآخرة. وبكى عليّ ولا يرفع بصره تعظيما لرسول اللّه (ص))([39]).
وقد نصرت (1) أم سلمة السيدة الزهراء (ع) بقوة واستنكرت موقف أهل السقيفة، وفي دلائل الإمامة والدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشاميّ قال بعد خطبة فاطمة (ع) وكلام أبي بكر فقالت أمّ سلمة 1، حيث سمعت ما جرى لفاطمة (ع) المثل فاطمة بنت رسول اللّه يقال هذا القول؟ هي واللّه الحوراء بين الإنس، والنفس للنفس، ربيت في حجور الأتقياء، وتناولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأ، وربيت خير مربى، أتزعمون أنّ رسول اللّه حرم عليها ميراثه ولم يعلمها، وقد قال اللّه تعالى «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» أ فأنذرها وخالفت متطلبه وهي خير النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة ابنة عمران، تمت بأبيها رسالات ربّه، فو اللّه لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقر، ويوسدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويدا ورسول اللّه بمرأى منكم وعلى اللّه تردون! واها لكم فسوف تعلمون، قال: فحرمت أمّ سلمة عطاها تلك السنة.)([40]).
ولما هدّد القوم علي بن أبي طالب (ع) بالقتل إن لم يبايع قال الراوي (وأَقْبَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ النُّوبِيَّةُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وأُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتَا يَا عَتِيقُ مَا أَسْرَعَ مَا أَبْدَيْتُمْ حَسَدَكُمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ فَأَمَرَ بِهِمَا عُمَرُ أَنْ تُخْرَجَا مِنَ الْمَسْجِدِ وقَالَ مَا لَنَا ولِلنِّسَاء… ([41]).
وكانت رافضة للمظالم التي أحدثها بنو أمية في خلافة عثمان فكانت تعظه وتنصحه.
ولما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة مع طلحة والزبير وبني أمية نهتها عن الخروج على أمير المؤمنين (ع) وذكّرتها بوصايا رسول الله (ص) لهن في القرآن وما قاله النبي في علي (ع) في كلام مفَصَّل جعل عائشة تغيّر رأيها لولا تدخل ابن أختها المدلّل لديها عبد الله بن الزبير فقرّرت المسير إلى البصرة.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (روى هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي من مكة أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم عبد الله بن عامر بن كريز ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه والله كافيهم بحوله وقوته ولو لا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا.
قال فلما قدم عمر على علي (ع) أكرمه ولم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها ووجهه أميرا على البحرين)([42]).
وعلى أي حال فقد اتخذت أم سلمة على أثر ذلك قراراً بمقاطعة عائشة وعدم التكلم معها، فقد ذكر البيهقي ((روي عن عائشة، أنها دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل وقد كانت أم سلمة حلفت أن لا تكلمها أبداً من أجل مسيرها إلى محاربة عليّ بن أبي طالب، فقالت عائشة: السلام عليك يا أم المؤمنين! فقالت: يا حائط ألم أنهك؟ ألم أقل لك؟ قالت عائشة: فإني أستغفر الله وأتوب إليه.([43]) كلميني يا أم المؤمنين، قالت: يا حائط ألم أقل لك؟ ألم أنهك؟ فلم تكلمها حتى ماتت))([44]).
أم سلمة مستودع سر النبي وأهل بيته (صلى الله عليهم أجمعين) وكتب علومهم: –
روى في بصائر الدرجات بسنده عن عمر بن ابي سلمة عن أمه أم سلمة قال: قالت: (أقعد رسول الله (ص) علياً في بيتي ثم دعا بجلد شاة فكتب فيه حتى ملأ أكارعه([45]) ثم دفعه إليّ، وقال: من جاءك من بعدي بآية كذا وكذا فادفعيه إليه) فلم يطالبها الأول والثاني والثالث به حتى جاءها أمير المؤمنين (ع) طالباً أياه فدفعته إليه([46]).
وروى الشيخ الكليني في الكافي وكذا في كتاب إعلام الورى بإسناد يرفعه إلى شهر بن حوشب: (أن علياً (ع) لما سار إلى الكوفة أستودع أم سلمة كتبه والوصية، فلما رجع الحسن (ع) دفعتها إليه([47])).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن الإمام الباقر (ع) قال: (لما توجه الحسين ع إلى العراق، دفع إلى أم سلمة زوج النبي ص الوصية والكتب وغير ذلك، وقال لها: إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك، فلما قتل الحسين ع أتى علي بن الحسين أم سلمة فدفعت إليه كل شئ أعطاها الحسين ع)([48]).
وأورد العلامة المجلسي بأسانيد عديدة، وفي الكافي أيضاً بسنده عن الإمام الصادق (ع) ((أن الحسين (ع) لما أراد العراق أستودعها الكتب ودفعتها إلى علي بن الحسين (ع)))([49]).
النبي (ص) يستودعها قبضة من تراب كربلاء:
روت مصادر كثيرة من العامة والخاصة أن النبي (ص) أستودعها شيئاً من تربة كربلاء، ففي المعجم الكبير للطبراني عن أم سلمة قالت: (قال رسول الله (ص) وديعةٌ عندك هذه التربة، فشمّها رسول الله (ص) وقال: ويحَ كرب وبلاء!، يا أم سلمة: إذا تحولّت هذه التربة دماً فأعلمي أن أبني قد قتل، فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم، وتقول: أن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم)([50]).
وهذا ما حصل يوم عاشوراء حيث قُتِل الإمام الحسين (عليه السلام) فقد تحولت تربة كربلاء إلى دم فاضت به القارورة وروى الشيخ الطوسي بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أم سلمة زوج النبي (ص)، فخرجت يتوجه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء، فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟
فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يا بنات عبد المطلب اسعدنني وابكين معي، فقد والله قتل سيدكن وسيد شباب أهل الجنة، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين.
فقيل: يا أم المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) في المنام الساعة شعثا مذعورا، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دما فقد قتل ابنك، وأعطانيها النبي (ص)، فقال: اجعلني هذه التربة في زجاجة – أو قال: في قارورة – ولتكن عندك، فإذا صارت دما عبيطا فقد قتل الحسين، فرأيت القارورة الان وقد صارت دما عبيطا تفور.
قال: وأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتما ومناحة على الحسين (ع)، فجاءت الركبان بخبره، وأنه قتل في ذلك اليوم.
ولم تمتد حياة أم سلمة طويلاً بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) فتوفيت عن عمر ناهز 85 عاماً ودفنت في البقيع (رضي الله تعالى عنها).
[1] – كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ملخصة في المؤتمر العام لمجمع المبلغات الرساليات في العراق يوم السبت 27/محرم الحرام/1446 الموافق 3/8/2024 والتفاصيل موجودة في كتاب بنفس العنوان قيد الطبع إن شاء الله تعالى.
[2] – راجع تفسير (من نور القرآن) عند القبس {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].
[3] – الخصال للشيخ الصدوق: 313، أبواب التسعة، ح13، ويلاحظ أن في ذيل رواية الخصال (أم سلمة بنت الحارث) وهو اشتباه وفيه سقط والصحيح ما ذكرناه وقد ورد أسمها في صدر الرواية صحيحاً، وصحّح صاحب الوسائل النص (وسائل الشيعة:20/244ط، مؤسسة آل البيت (^))، ونقل ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب: 1/ 161) عن الإمام السجاد نفس الترتيب.
[4] – وفق التحقيق الآتي في سنة ولادتها.
[5] – كما في رواية عن الإمام الباقر (ع) في الكافي: 5/117 .
[6] – نهج البلاغة: قصار الكلمات، رقم 121.
[7] – سيرة أبن هشام:1/182.
[8] – سيأتي في الكتاب قيد الطبع وجه ترجيح إسلامها قبل زواجها أو حينما تقدم أبو سلمة لخطبتها أقنعها بالإسلام لأنها لو كانت متزوجة لذكرت مع إسلام أبي سلمة كما هو ديدن مؤرخي السيّر.
[9] – الاستيعاب المطبوع بهامش الإصابة: 2/263.
[10] – تاريخ الطبري:2/225.
[11] – بسبب سجود قريش لا ارادياً عند سماعهم سورة النجم فسجدوا عند آية السجدة في نهايتها فذاع الخبر، بأنهم أسلموا، لكنهم عادوا بقسوة أكبر لأزاله هذه التهمة، وروى العامة هنا رواية يندى لها الجبين حيث اتهموا النبي (|) بإضافة الذكر الجميل لهبل والعزى والغرانيق العلى إلى الآيات الكريمة فسجدت قريش لذلك، وأن الوليد بن المغيرة كان شيخاً كبيراً لا يستطيع السجود فوضع التراب إلى جبهته (تاريخ الطبري:2/227).
[12] – ابن حجر عسقلانى، احمد بن على، الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، ج8؛ ص404
[13] – أسد الغابة:3/196، التبيان: 10/100 عن الفراء، الجامع لأحكام القرآن:18/270 عن الضحال والمقاتل لكن المروي عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) أنها نزلت في علي ابن ابي طالب (ع) (البرهان في تفسير القرآن: ج 5/ ص475.
[14] – سير اعلام النبلاء – ط الرساله المؤلف: الذهبي، شمس الدين ج: 2 ص: 203.
[15] – الطبقات الكبرى لابن سعد، والأيِّم: المرأة التي فقدت زوجها.
[16] – تاريخ الطبري: ج ٢ – ص ٤١٤.
[17] – حتى جعلت هذه الغيرة معياراً لصلاح المرأة وإيمانها، روى الشيخ الكليني في (الكافي:5/505 ح5) قال: (ذكر رجل لأبي عبد الله الصادق (×) أمراته فأحسن الثناء عليها، فقال له أبو عبد الله (×): أَغِرَتها؟ قال: لا، قال: فأَغِرها، فأَغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله (×): إني قد أغرتها فثبتت، فقال (×): هي كما تقول).
[18] – شذرات الذهب: 1/70 بواسطة (قراءة موجزة في سيرة أم سلمة للدكتور حسين الشرهاني).
[19] – الطبقات الكبرى: 8/64، سير أعلام النبلاء: 2/205.
[20] – الطبقات الكبرى: 8/ 138.
[21] – صحيح البخاري: ج ٣ – ص ١٣٢.
[22] – جوامع السير:320.
[23] – مسند أحمد: 6/297، مسند أبي يعلى: 6/285 ح6975، المعجم الكبير: 23/321، مجمع الزوائد: 3/238.
[24] – صحيح مسلم: 2/1078 كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير، سنن أبي داوود: 2/388 كتاب النكاح، باب فيمن حرم به، صحيح النسائي: 2/699، كتاب النكاح باب رضاع الكبير، مسند أحمد: 6/ 312 وغيرها بواسطة (أم سلمة وجهودها الدعوية: 171).
[25] – سنن الترمذي:1/338، أبواب الرضاعة، باب ما جاء عن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر.
[26] – وبهذا يؤسس النبي (ص) أكمل الناس جميعاً لمشاورة المرأة واحترام رأيها كالرجل، أما ما ورد من قول (شاوروهن وخالفوهن) (شرح رسالة الحقوق – الإمام زين العابدين (ع) – ص٣٩٦) فلا بد من فهمه بوجه صحيح كأن يراد أن منطلقات المرأة في النظر إلى القضايا ليس كالرجل وهذا ما صرح به الحديث الشريف (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو، والجبن، والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها) (نهج البلاغة : الحكمة ۲۳4) فالمخالفة لا لأجل توهين رأيها وإلا لماذا مشاورتها أصلاً إذا كان عازماً على عدم الاعتناء برأيها، فالحديث يقول أن المرأة إذا تصرفت بمقتضى انسانيتها وعقلانيتها فهي لا تنقص عن الرجل، أما إذا تصرفت بدوافع أنثوية فبهذه قد تكون على خلاف ما ينبغي للرجال، مثلاً يريد الرجل أن ينفق مالاً في بعض مواضع البر والإحسان فتعترض عليه انطلاقاً من صفة البخل الحسنة فيها ومن مسؤوليتها في تدبير المنزل وشؤون العائلة، فتصرُّفها بالنسبة إليها صحيح كما في الحديث السابق، لكن الرجل إذا حسب اموره جيداً ووجد هذا الانفاق في محله فعليه مخالفتها والمضي بالإنفاق.
[27] – الدر المنثور: 7/531.
[28] – المعجم الصغير للطبراني: ج 1، ص 117.
[29] – المغازي للواقدي: 3/404، صحيح مسلم: 3/1356 كتاب الجهاد والسير، باب جواز الاغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام.
[30] – المغازي للواقدي: 2/464-467.
[31] – صحيح البخاري: 5/49 كتاب المغازي.
[32] – المعجم الكبير: 23/251، مجمع الزائد ومنبع الفوائد: 6/25 قال الهيتمي: رواه الطبراني ورجاله الثقات.
[33] – مسند ابن يعلى: 6/237، وأورده عنه في مجمع الزوائد: 3/217، وقال رجاله ثقات، المعجم الكبير: 23/313، وقد نقلنا عن هذه المصادر بواسطة (سيرة أم المؤمنين أم سلمة وجهودها الدعوية:152).
[34] – المعجم الكبير: 23/404 رقم 968، مجمع الزوائد:5/251.
[35] – غرر الحكم (1167 – 1168)، 2668، 7311. عن ميزان الحكمة: ج ٢ – ص ١٤٤٦.
[36] – عدّ المرحوم الشيخ علي الكوراني حوالي عشرين منهم (السيرة النبوية برواية أهل البيت (ع): 3/499).
[37] – أمالي الشيخ: 2/ 174، البرهان: 8/ 17، ح 24، 25.
[38] – معاني الاخبار: 195، الباب 188 في معنى الناكثين والقاسطين والمارقين، بحار الانوار: 32/298 ح258.
[39] – مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) للكوفي المؤلف: الكوفي، محمد بن سليمان الجزء: 1 ص: 354
[40] – دلائل الإمامة: 124، الدر النظيم: 408، الاحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي) -؛ ج1؛ ص165، سفينة البحار:4/229.
[41] – بحار الأنوار (ط – بيروت) – ج28؛ ص301.
[42] – شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج6، ص219، شرح الخطبة (79).
[43] – هذا غير صحيح فقد أظهرت الشماتة والفرح بقتل علي (ع) وتمثلت بقول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قرَّ عينا بالإياب المسافرُ
وسمّت خادمها عبد الرحمن باسم قاتله ابن ملجم بحسب قولها، وموقفها بعد ذلك من جنازة الإمام الحسن (ع) ورميه بالسهام معروف وغير ذلك.
[44] – المحاسن والمساوئ للبهيقي: 1/481.
[45] – في الروايات الأخرى: أن فيه علم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال وحرام.
[46] – بصائر الدرجات: 40/45، بحار الأنوار:26/ 49، 22، 223ح4.
[47] – بحار الانوار:43/292 وتجد روايات الوصية في الكافي: 1/297 وما بعدها.
[48] – الغيبة للشيخ الطوسي: 128 ط.تبريز سنة 1323 بواسطة بحار الانوار: 46/18 ح3.
[49] – الكافي:1/304.بحار الأنوار: 22/224.
[50] – المعجم الكبير: 3/108 ح2817 وغيره بواسطة: الصحيح من مقتل الحسين (ع): 208 وفي ص456 مصادر أخرى.