أم سلمة: قدوة الفضائل والولاء[1]
أم سلمة أفضل أزواج النبي (ص) بعد السيدة الجليلة خديجة الكبرى بنص الحديث عن الإمام الصادق (ع) في أزواج النبي (ص) قال: (وأفضلهن خديجة بنت خويلد ثم أم سلمة ثم ميمونة بنت الحارث)[2].
وروى ابن سعد في الطبقات عن الزهري أن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: (إن أم سلمة قد كان لها عند رسول الله (ص) منزلة ومحبة)[3].
روى أيضاً عن فاطمة الخزاعة قالت ((سمعت عائشة تقول: دخل عليّ يوماً رسول الله (ص) فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: يا حميراء كنت عند أم سلمة، فقلت: ما تشبع من أم سلمة؟ قالت: فتبسم….))[4].
من السابقين الأولين إلى الإسلام والهجرة فقد هاجرت مع زوجها إلى الحبشة وعادا إلى مكة ثم هاجرا إلى المدينة، وهي مستودع سر رسول الله (ص)، والمؤتمنة على وصية أمير المؤمنين (ع) والإمام الحسين (ع) قبل خروجهما إلى العراق حيث استشهدا.
وشهد لها النبي (ص) بأنها على خير و أنه (ص) راضٍ عنها، وفي بيتها – أي غرفتها الخاصة – اجتمع النبي (ص) بأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) وغطاهم بكسائها ونزلت فيهم آية التطهير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
فقد روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الصادق (ع) قال: (لكن الله عز وجل أنزله في كتابة تصديقاً لنبيه صلى الله عليه وآله {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الكساء في بيت أم سلمة، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألستُ من أهلك؟ فقال: إنك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي)[5].
وروى الشيخ في أماليه بسنده عن الإمام الحسن السبط (ع) في حديث طويل قال فيه: (وقد قال الله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) أنا وأخي وأمي وأبي فجلّلنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها: فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: أدخلُ معهم يا رسول الله؟ فقال لها (صلى الله عليه وآله): يرحمك الله، أنت على خير، وإلى خير، وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم)[6].
أسمها ونسبها:
هند بنت أبي أمية – واسمه حذيفة وقيل سهل – بن المغيرة المخزومي، قال في أسد الغابة وهو أحد أجواد قريش المشهورين بالكرم، ويعرف بزاد الراكب، لأنه كان إذا سافر لم يحمل أحد معه من رفقته زاداً بل هو كان يكفيهم، وهو خال[7] أبي طالب وقد رثاه بأبيات جاء فيها:
ألا إِنَّ زادَ الرَكبِ غَير مُدافَعٍ
بِسروِ سُحَيمٍ غَيَّبَتهُ المَقابِرُ
تَنادوا بِأَن لا سيِّدَ اليَومَ فيهِمُ
وَقَد فُجِعَ الحَيّانِ كَعبٌ وَعامِرُ[8]
وبنو مخزوم من أشرف بطون قريش في الجاهلية ولهم مصاهرات مع بني هاشم، وقد وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بـ(ريحانة قريش) عندما سئل عن قريش فقال: (أما بنو مخزوم فريحانه قريش تحب حديث رجالهم والنكاح في نسائهم)[9].
وكان عمها الوليد بن المغيرة يلقب بـ(العدل) أي عدل قريش لأن قريشاً جميعها كانت تكسو الكعبة سنة وهو وحده يكسوها سنة ووُصِفَ في تفسير علي بن إبراهيم بأنه كان ((شيخاً كبيراً مجرباً من دهاة العرب)) وكان يعرف صدق النبي ( ص) وأن ما يتلوه ليس من كلام البشر لكنه لم يوفَّق للإيمان لأن المال والبنين والزعامة غرّته، روي أن الوليد لما سمع النبي (ص) يتلو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] قال: يا ابن اخي أعد فأعاد فقال إن له لحلاوة وإن له لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمعذق وما هو قول البشر[10].
وحكّمته قريش ليعطيها الرأي في ما جاء به النبي (ص) حتى يكون لقريش موقف موحّد تجاه النبي (ص) تجيب به قبائل العرب التي تفد إلى مكة للحج والتجارة، فطلب من رسول الله (ص) أن يقرأ عليه شيئاً، فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة فصلت فلما وصل إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] ((فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة على رأسه ولحيته))، وعاد إلى داره ولم يرجع إلى قريش من ذلك، فاستفزّته قريش بابن أخيه أبي جهل وقال له: ((يا عم نكّست رؤوسنا وفضحتنا وأشمتّ بنا
عدونا وصبوت إلى دين محمد))، فأخذته العزة بالإثم وطلب منهم مهلة للتفكير ثم قال لهم: ((قولوا أنه سحر فإنه آخذ بقلوب الناس))))[11].
وللتأثير القوي لكلمته في موقف قريش فقد خصّه الله تعالى بتهديد ووعيد عظيمين قال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا[12] (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ[13] شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) } [المدثر: 11 – 29].
وقيل[14] إن أمها عاتكة بنت عبد المطلب وهو لا ينسجم مع كون والدها أبي أمية خال أبي طالب لأنه سيكون خالاً لعاتكة أيضاً فكيف يتزوجها؟ فلعل اشتباهاً حصل بسبب اشتراك الاسم، لأن في أسد الغابة أن أمها عاتكة بنت عامر الكنانية[15]، وربما نشأ الاشتباه من كون أم زوجها أبي سلمة بنتُ عبد المطلب وهي برّة فأبو سلمة هو أبن أخت أبي طالب وليس أم سلمة وسيأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى.
وعلى أي حال فهذا القول يمكن قبوله لأن عاتكة أخت لأبي طالب من أبيه فقط لا من أمه، لأن أشقاء أبي طالب هم عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وآله والزبير، فلا علاقة لعاتكة بأبي أمية المخزومي، بل إن الإشكال غير وارد أصلاً لأن طبقه أبي طالب في السن لا يناسبها أن يكون أبو أمية خالاً له، وليست أم أبي طالب أختاً له، لأن أم أبي طالب وأخويه عبد الله والزبير: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم[16]، وأبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فأبو فاطمة أم أبي طالب ابن عم المغيرة والد أبي أمية، ويكون الأبوان أبناء عم فيكون هذا هو معنى الخؤولة هنا.
صفاتها وزواجها وإسلامها وهجرتها:
وُصفت أم سلمة بأنها ((من أكمل النساء عقلاً وخلقاً))[17]، قال ابن حجر: ((وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ، والرأي الصائب، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وآله يوم الحديبية[18] تدل على وفور عقلها وصواب رأيها))[19].
وهكذا فقد حباها الله تعالى بجمال الخلقة كما مَنّ عليها بحسن الأخلاق، روى الشيخ الكليني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي صلى الله عليه وآله: إن آل المغيرة قد أقاموا مناحة، فأذهبُ إليهم؟ فأذن لها، فلبست ثيابها وتهيأت، وكانت من حسنها كأنها جان، وكانت إذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها وعقدت بطرفيه خلخالها فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله)[20].
أقول: لا يخلو سند الرواية من ضعف وشائبة إرسال، ولا أعلم وجهاً لتعرض الإمام (عليه السلام) لوصف جمالها وهو بصدد بيان حكم النائحة، كما أن وصف شعرها ظاهر في المبالغة وكأن هذه الفقرات أشبه بكلام القصاصين، ثم إن استئذانها النبي صلى الله عليه وآله إذا كان من جهة الزوجية فإنه غير صحيح لأن الوليد توفي في مكة وأم سلمة لا زالت في عصمة زوجها أبي سلمة وكانت وفاته في الأشهر الأولى بعد الهجرة[21] وأم سلمة مع زوجها في المدينة، ثم إن الوليد عمها وليس ابن عمها.
والظاهر أن الحادثة إن صحّت فإنها حصلت في وفاة ابن عمها كما ورد في ذيل الرواية، وهو الوليد بن الوليد بن المغيرة الذي أسر في معركة بدر فافتداه أخواه خالد وهشام بمال وفير، ولما وصل مكة أسلم فقيل له: هلا كان ذلك قبل أن تفتدى؟ فقال: ما كنت لأسلم حتى أفتدى، ولا تقول قريش إنما اتبع محمداً فراراً من الفداء. وحبسه أخواه بمكة فأفلت منهما ولحق بالنبي صلى الله عليه وآله ومات في المدينة في السنة السابعة، وأم سلمة يومئذ في بيت النبي صلى الله عليه وآله، وروي أن أم سلمة رثته بقولها:
يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد أبو الوليد فتى العشيرة[22].
تزوجت في مكة من أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فأبواهما ابنا عم، وهو ابن أخت أبي طالب لأن أمه بَرّة بنت عبد المطلب، كان من السابقين إلى الإسلام فقد روى ابن إسحاق أنه أسلم بعد عشرة أنفس[23]،
وواجه ضراوة قريش وشدة ضراوتها على من تبع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من بيت يقود الحرب على رسول الله (ص)، وكان أبو جهل وهو ابن عم أم سلمة من المتزعمين لهذا العدوان الوحشي فهاجر المسلمون إلى الحبشة بأمر رسول الله (ص) فراراً بدينهم.
وكان أبو سلمة من الأوائل الذين هاجروا بظعائنهم إلى الحبشة مع زوجه أم سلمة وابنها البكر سلمة، وكانت أم سلمة راوية ما جرى من أحداث هذه الهجرة ومناظرات جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ووفد قريش الذي ذهب لاسترجاعهم، روى ابن كثير عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ((لما ضاقت مكة علينا وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء، والفتنة في دينهم، وأن رسول الله – صلى الله عليه (وآله) وسلم- لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها إرسالا (جماعات) حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً)[24].
وولد لهما في الحبشة الولد الثاني عمر بن أبي سلمة، ولما وصلت إلى الحبشة أخبار عن إيمان قريش بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وأن المسلمين أصبحوا في أمان عاد جمعٌ من المهاجرين إلى مكة فاكتشفوا كذب تلك الأخبار ورأوا ما ينزل بالمسلمين من التعذيب والقتل، فدخلوا في جوار ليحموا أنفسهم ومنهم أبو سلمة حيث دخل بجوار خاله أبي طالب وحماه من قريش روى في أسد الغابة عن ابن إسحاق قال:
((عدت قريش على من أسلم منهم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلاء عليهم وعظمت الفتنة فيهم وزلزلوا زلزالاً شديداً، عدت بنو جمح على عثمان بن مظعون وفر أبو سلمة بن عبد الأسد إلى أبي طالب ليمنعه وكان خاله فمنعه فجاءت بنو مخزوم ليأخذوه فمنعه فقالوا: يا أبا طالب، منعت منا ابن أخيك أتمنع منا ابن أخينا؟ فقال أبو طالب: نعم أمنع ابن أختي مما أمنع منه ابن أخي، فقال أبو لهب -ولم يسمع منه كلام خير قط يومئذ-: صدق أبو طالب، ولا يسلمه إليكم))[25].
ولما ضاقت مكة بالمسلمين بعد وفاة أبي طالب أمر الرسول صلى الله عليه وآله المسلمين بالهجرة إلى المدينة فكان أبو سلمة من أوائل المهاجرين إليها، قال أبو نعيم: ((كان أبو سلمة أول من هاجر من قريش إلى المدينة قبل بيعة رسول الله صلى الله عليه وآله الأنصار بالعقبة، ومعه امرأته أم سلمة، ورووا عن أم سلمة قصة أخرى للهجرة كما في الإصابة قالت: ((لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحّل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا إبني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: فَفُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أُمسي سنة أو قريباً منها حتى مرّ بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلت: أتبلّغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبني هذا. قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى (عني) إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدّمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية – وكان أبو سلمة بها نازلاً – فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وقيل إنها أول امرأة خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأول ظعينة دخلت المدينة))[26].
قال في أسد الغابة عن أبن سلمة: ((وشهد بدراً وأحداً ونزل فيه قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} [الحاقة: 19]).
[1] – محاضرات ألقيت يوم الأربعاء 13/ذي القعدة/1445 الموافق 22/5/2024.
[2] – الخصال للشيخ الصدوق: 313، أبواب التسعة، ح13، ويلاحظ أن في ذيل رواية الخصال (أم سلمة بنت الحارث) وهو اشتباه وفيه سقط والصحيح ما ذكرناه وقد ورد أسمها في صدر الرواية صحيحاً، وصحّح صاحب الوسائل النص (وسائل الشيعة:20/244ط، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام))، ونقل ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب: 1/ 161) عن الإمام السجاد نفس الترتيب.
[3] – الطبقات الكبرى: 8/ 138.
[4] – الطبقات الكبرى: 8/63.
[5] – الكافي: ج ١ – ص ٢٨٧، البرهان: 8/ 5.
[6] – أمالي الشيخ: 2/ 174، البرهان: 8/ 17، ح 24، 25.
[7] – سيأتي التعليق عليه.
[8] – شرح نهج البلاغة: ج ١٨ – ص ٢٩١.
[9] – نهج البلاغة: قصار الكلمات، رقم (121).
[10] – تفسير الميزان: ج ١٢ – ص ٣٥٠. تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150 هجـ): 4/ 152. وتفسير الطبري (ت 310 هجـ): 29/ 195.
[11] – تفسير علي بن إبراهيم: 2/393، البرهان: 10/62.
[12] – في تفسير علي بن إبراهيم: أنه إنما سمي وحيداً لأنه قال لقريش: إني أتوحّد بكسوة البيت سنة، وعليكم بجماعتكم سنة.
[13] – كان له عشرة بنين أحدهم خالد بن الوليد قائد فرسان قريش في معركة أحد، وسيأتي ذكر بعضهم، وقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم بدر جمعاً من هذا البيت منهم مسعود أبن أبي أمية بن المغيرة، وقيس أبن الفاكه بن المغيرة وأبو القيس بن الوليد أبن المغيرة وهشام بن أبي أمية وقتل في معركة أحد أبا حذيفة بن المغيرة والمغيرة بن المغيرة. (بحار الانوار: 41/65 عن مناقب آل أبي طالب: 1/295-301).
[14] – إعلام الورى بأعلام الهدى، للشيخ الطبرسي الفضل بن الحسن: 1/ 277، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
[15] – أسد الغابة: ج ٥ /٥٦٠.
[16] – بحار الأنوار: 15/ 168.
[17] – الأعلام، للزركلي: 9/ 104.
[18] – في (الدر المنثور: 7/531) لما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من كتاب الصلح مع قريش في الحديبية وما تضمنه من رجوعه عن زيارة البيت الحرام في ذلك العام ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: قوموا فانحروا ثم أحلقوا، فوالله ما قام رجلٌ منهم حتى قال ذلك ثلاث مرا، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ قال نعم، قالت: فأخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فخرج فلم يكلم أحداً منهم كلمةً حتى فعل ذلك: نحر بُدنه، ودعا بحالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا)).
[19] – الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر شهاب الدين العسقلاني: 8/ 406.
[20] – الكافي، للشيخ الكليني: 5/ 117.
[21] الأعلام للزركلي: 9/ 144.
[22] – الأعلام: 9/ 144 عن الإصابة والاستيعاب وأسد الغابة وطبقات ابن سعد ونسب قريش.
[23] – السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 233.
[24] – البداية والنهاية، لابن كثير: 3/ 91-92.
[25] – أسد الغابة: 3/ 196. في سيرة ابن هشام: 2/ 15 إن هذا الموقف أطمع أبا طالب في إسلام أبي لهب فحثه بقصيدة طويلة أوردها.
[26] – الإصابة: 8/ 404.