كانت حركة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بعد تسنمه مهام الخلافة وما جرى بعدها من أحداث ومنعطفات إلى حين وفاته مسموماً على يد السلطة الأموية، من العوامل المهمة التي مهدت بشكل رئيسي للنهضة الحسينية المباركة، ومع ذلك نشهد ونجد أن هناك تغييب وطمس لذلك الدور المهم.
وسلطت الأضواء بصورة مركزة على مسألة الاتفاق الذي جرى بين الإمام الحسن (ع) وبين معاوية فيما عرف بـ (الصلح)، وشمل التغييب أغلب فترات نشاط الإمام المجتبى (عليه السلام) ودوره المؤثر في فضح أهداف معاوية وبني أمية في التسلط على المسلمين وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق والمجاهرة بالعداء للإمام علي (عليه السلام) وأبنائه وشيعته خلال السنوات العشرة التي تلت الصلح ..
ونتيجة لهذا التغييب لدور الإمام الحسن (عليه السلام) واقتصار استذكار سيرته ومسيرته الرسالية المباركة على يومي ولادته واستشهاده، كانت دعوة المرجع اليعقوبي لتخصيص أول يومين من عشرة عاشوراء للاحتفاء واستذكار دور السبط المجتبى (عليه السلام)، فجاء خطابه الموسوم (تخصيص الليلة الثانية ويومها من عشرة محرم لذكر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)) ليتضمن دعوة إلى خطباء المنبر الحسيني، وأرباب العزاء، وأصحاب المواكب الحسينية لتخصيص الليلة الثانية من العشرة الأولى من شهر محرم لذكر الإمام السبط (ع) لعدة أسباب ذكر منها سماحته:
1- وفاءً للإمام الشهيد المجتبى المظلوم (عليه السلام).
2- لارتباط حركته بنهضة أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) حيث مهّد لها وشيَّد أُسسها وعبّأ أجواء الثورة والرفض بفضحه لمكر الأمويين واستخفافهم بالدين والمسلمين وانتهاكهم للحرمات والمقدسات.
3- أن الإمام الحسن (عليه السلام) هّيأ أولاده النجباء للتضحية والفداء بين يدي عمّهم الإمام الحسين (عليه السلام).
وبين سماحة المرجع اليعقوبي أن اختيار هذا اليوم من ضمن الأيام العشرة الأولى من شهر محرم هي للتأسي بالإمام المجتبى (عليه السلام) واستحضاراً لسيرته المباركة وتوافقه التام مع حركة أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وفي أيام التعزية بشهداء كربلاء من آل أبي طالب وأصحاب الحسين (عليه السلام).
وأعرب المرجع اليعقوبي عن أمله بأن يكون هذا الاستذكار مؤسساً لسنّ هذه لسيرة المباركة ولو بعد زمن لإدخال السرور على قلب الحبيب المصطفى (صلى الله عليه واله) بذكر سبطيه وريحانتيه وسيدي شباب أهل الجنة.
لقد شكل صلح الإمام الحسن (عليه السلام) حدثاً تاريخياً مهماً ومفصلياً في صفحات التاريخ الإسلامي، هذا المنعطف التاريخي الحساس لم يترك الإمام المجتبى (عليه السلام) إلا أمام خيار واحد لا غيره إلا وهو عقد اتفاق بشروط مع معاوية للحفاظ على البقية من آل أبي طالب والأنصار الشيعة المخلصين، وغير ذلك لم يكن الإمام ليفكر بالإقدام على عملية انتحارية لا طائل منها.
إن الإمام (عليه السلام) باتفاقه فضح مشروع بني أمية بتوارث وتلاقف السلطة، حيث كانت إحدى أهم بنود الاتفاق هي عدم توريث معاوية الحكم لولده يزيد بعد موته، وأن أمر الخلافة من بعده يرجع للإمام الحسن عليه السلام.
إن صلح الإمام الحسن هو صلح الإمام الحسين، لأن الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) هما جسدان في روح واحدة، ويروى أن أحد المعترضين من الشيعة المقربين على الإمام بادر للاعتراض العلني على الإمام بوجود الإمام الحسين فكان رد الإمام الحسين (عليه السلام) (وغمز الحسين حجرا) أي أشار إليه ونبهه، والمقصود هو الصحابي حجر بن عدي.
إن محنة الإمام الحسن (عليه السلام) كانت أكثر من محنة واحدة، فلقد كانت محنه خذلان الناصر، ومحنة التنازل لمعاوية، ومحنة المعترضين والمشككين عليه من كبار زعماء الشيعة وأصحابه الذين وصل بهم الحد إلى أنهم كانوا يخاطبونه ب (مذل المؤمنين) ؟!
لولا صلح الامام الحسن (عليه السلام) لما كانت هناك نهضة حسينية، لأن الإمام لو كان قد خاض مغامرة محسومة النتائج سلفاً لخصمه معاوية لكانت النتيجة استشهاد الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وخيرة أصحابهما وأصحاب أبيهما أمير المؤمنين (عليه السلام)، وربما كانت تصفيتهم على يد نفس المحسوبين على معسكر الإمام من زعماء القبائل الخونة الذين كتبوا لمعاوية وعاهدوه على تسليم الإمام وأهل بيته وأصحابه أحياء أو أموات مقابل الأموال والمناصب.
إذا نظرنا لصلح الإمام الحسن (عليه السلام) من زاوية العلاقة الموضوعية بين تعدد أدوار الأئمة مع وحدة الهدف والتي أطلقها الشهيد الصدر الأول (قد) لتفسير اختلاف الأدوار ونوع النشاط الذي ميز كل إمام على حدة والذي ربطه بالوحدة الموضوعية لحياة الأئمة ووحدة الهدف لديهم جميعاً بعيداً عن التجزيئية التي تعني الاختلاف الواضح في الأدوار، وبناءً على هذا التفسير لحراك وأدوار الأئمة فبلا أدنى شك أن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مثل مقدمة موضوعية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) على أساس تهيئة الجماعة الصالحة القادرة على التصدي لحكم الانحراف الأموي من خلال المشاركة الفاعلة في النهضة الحسينية والاستعداد لها، بالإضافة إلى مساهمة الصلح في فضح حكومة بني أمية وبراءة الإسلام من قياداتها المنحرفة وسلوكياتهم الشاذة ونكثهم للوعود والمواثيق.
أن مراجعة قضية صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ينبغي أن يكون أولاً وفق قراءة ينظر خلالها إلى شخص الإمام الحسن (عليه السلام) بلحاظ ما يمثله من إمام معصوم مفترض الطاعة بنص أية التطهير { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } (الأحزاب ،33)، وقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبحق أخيه (الحسن والحسين إمامان أن قاما وأن قعدا)، وثانياً بالنظر الى هذه الحادثة التاريخية المفصلية المهمة وما شهدته ظروف اجتماعية معقدة وغير موضوعية، تجسدت في إعلان بواكير الهزيمة والاستسلام من قبل المجتمع الكوفي خصوصاً لتسلط وحكم بني أمية والانقلاب على الذات، مما وضع الإمام أمام مفترق طريقين أختار الاسلم منهما لأهل بيته وشيعته وهو عقد الاتفاق الموسوم بالصلح مع معاوية، وثالثاً وفق ما تمخض عنه ذلك الصلح من نتائج لاحقة مهدت بشكل أساس للأمام الحسين (عليه السلام) لإعلان ثورته ونهضته الخالدة على الحكم الأموي المنحرف بعد أن جرده الإمام الحسن (عليه السلام) من خلال الصلح من دعاواه الزائفة وفضح حقيقة المشروع الأموي التسلطي القيصري الذي لم يصبر معاوية عن التصريح والصدع به علناً في أول خطبة له بأهل الكوفة بعد الصلح بالقول: (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له).
أحمد البديري
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية