وبعد أن أدّى الإمام العسكري (ع) مسؤوليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جده (ص)، نعى نفسه قبل سنة ستين ومئتين، وأخذ يهدّئ روع والدته قائلاً لها: لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي.. ونزلت الكارثة كما قال، والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن اعتلّ (ع) في أوّل يوم من شهر ربيع الأول من ذلك العام.
ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً أنه قد سُم واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له على جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع رأيه على الفتك به.
ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد (الحجة)، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وقد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.
ودفن الإمام الحسن العسكري (ع) إلى جانب أبيه الإمام الهادي (ع) في سامراء، وقد ذكر أغلب المؤرخين أنّ سنة وفاته كانت (260هـ) وأشاروا إلى مكان دفنه، دون إيضاح لسبب وفاته.
وروى ابن الصباغ عن أحمد بن عبيدالله بن خاقان، أنه قال: لما اعتل (ابن الرضا) عليه السلام، بعث (جعفر بن علي) إلى أبي: أن ابن الرضا عليه السلام قد اعتل، فركب أبي من ساعته مبادراً الى دار الخلافة: ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم الخليفة كلهم من ثقاته ورجال دولته وفيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده في الصباح والمساء، فلما كان بعدها بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف فركب حتى بكّر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم وبعث بهم إلى دار الحسن عليه السلام، وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتى توفي لأيّام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائين.
يتضح لنا من خلال متابعة تاريخ الإمام العسكري عليه السلام وموقف السلطة العباسية منه، أنّ محاولة للتخلّص من الإمام قد دبّرت من قبل الخليفة المعتمد خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سلسلة الإجراءات التي اتخذتها السلطة إزاء الإمام علي الهادي عليه السلام أوّلاً، ثم ما اتخذته من إجراءات ضد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فقد قامت بسجنه عدّة مرات فضلاً عن المراقبة المشددة على بيته، كما حاولت نفيه إلى الكوفة، وغيرها من الإجراءات التعسّفيّة ضدّه وضد شيعته وضد العلويين، ووفقاً لذلك وبضم رواية أحمد بن عبيدالله بن خاقان والذي كان أبوه أحد أبرز رجالات الدولة، يتأكّد لنا أنّ استشهاد الإمام العسكري عليه السلام كانت وراءه أيدي السلطة الآثمة دون أدنى شك.
الصلاة على الإمام العسكري عليه السلام
وكان لاستشهاد الإمام العسكري عليه السلام صدى كبير في سامراء، حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلى بيت الإمام، ويروي أحمد بن عبيدالله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً: ولما رفع خبر وفاته، ارتجّت سرّ من رأى وقامت ضجة واحدة: مات ابن الرضا، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس الى أن حضروا جنازته فكانت سرّ من رأى شبيهاً بالقيامة.
وبعدما جُهّـِز الإمام العسكري عليه السلام خرج عقيد خادمه، فنادى جعفر بن علي فقال: ياسيدي قد كُفّن أخوك، فقم وصَلِّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يتقدّمهم عثمان بن سعيد العمري وهو أحد وكلائه (ووكيل الإمام الحجة عليه السلام فيما بعد)، ولما دخلوا الدار فاذا بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي عليه، فلما همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط، وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر وقال: ياعمّ، أنا أحقّ بالصّلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد أربدّ وجهه واصفرّ، فتقدّم الصبي فصلّى عليه عليه السلام.
ولما اُخرج نعش الإمام العسكري عليه السلام صلّى عليه أبو عيسى بن المتوكل بأمر الخليفة المعتمد العباسي، تمويهاً على الرأي العام حول استشهاد الإمام عليه السلام، وكأنّ السلطة ليس لها في ذلك يد بل على العكس، فإنّها قد أظهرت اهتماماً كبيراً أيام مرض الإمام عليه السلام وخرج كبار رجالات البلاط العباسي مشيعين…، ولكن مثل هذه الاُمور لا يمكن أن تنطلي على شيعة الإمام ومواليه، وهكذا غالبية المسلمين الذين عاصروا ما جرى للإمام عليه السلام من قبل السلطة من سجن وتضييق.
أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام
إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام العسكري عليه السلام لم يكن له من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظر عليه السلام، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد (رضي الله عنه)، حيث قال: أما الحسن بن علي العسكري عليه السلام فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً.
كما ذهب إلى ذلك ابن شهر آشوب حيث قال: وولده القائم لا غيره.
وأصحاب المصادر التاريخية، كالطبري، والمسعودي وغيرهما، لم يشيروا إلى غير الإمام المنتظر عليه السلام، وهو الذي ولد في النصف من شعبان عام (255 هـ ).