باقر العلوم
رائد الإصلاح والتنمية البشرية
إن من أولويات العمل الناجح في مؤسسة المرجعية الدينية _ مؤسسة الإمامة _ العاملة الفاعلة الرسالية ذات البرامج المتعددة في وجوهها وآلياتها، والمتكيفة مع متطلبات الزمان والمكان؛ هو عمليّة البناء الأخلاقي والعقائدي والفكري لأتباع المدرسة، والاضطلاع بإصلاح الأطر العامة للتفكير والسلوك، ووضع القواعد التي تضمن سلامة الامتداد للمنهج الإسلامي الأصيل المرتبط بالنبوة الخاتمة، ومن هنا كان للإمام الباقر (عليه السلام) قصب السبق من خلال نشاط كبير وواسع لتربية أجيال صالحة وتوعيتهم على حقائق الرسالة.
ونحن في بداية شهر رجب إذ نحيي ذكرى ولادته (عليه السلام) نقف لنتأمل بعض خطوات إمامنا باقر العلم في مجال الإصلاح والتنمية:
أولاً: تنشأت وتربية ورعاية مجموعة من العلماء والفقهاء والدعاة، فقد كان للإمام الباقر (عليه السلام) مجموعة من الأصحاب نالوا مرتبة عالية من العلم والعمل، الذين يحملون هم الإسلام، ويضطلعون بمسؤولية الإصلاح في رسالتهم وحيوية نشاطهم، وتبليغهم وتواصلهم مع الناس، فيكون هؤلاء هم الديباجة الحوزوية التي تمثل مؤسسة الإمامة، وهذا يعكس النظرة البعيدة في أفق الرؤية المستقبلية للمؤسسة التي يسعى أمامها ومرجعها أن يوفر عوامل بقائها ودوام تأثيرها وقدوتها في المجتمع.
يقول الشيخ الكشّي أحد أئمّة علم الرجال: (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسديّ، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفيّ، قالوا: وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسديّ أبو بصير المراديّ وهو ليث بن البختريّ) ([1]).
إضافة للجانب العلمي كان هؤلاء الأفاضل من حملة مشروع الإمامة يحملون كارزما جاذبة لاتصافهم بدرجةٍ عالية من الكمالات النفسيّة والأخلاقية، وصارت أخلاقهم وكمالاتهم صفات يعرف بها الشيعة عبر قرون من الزمن، قال الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر بعد بيانه لكيفية تقييم الإنسان الشيعيّ لنفسه بشكل دائم، ذاكراً خصائص ومميّزات هذا المسلم:
(وما كانوا يُعرفون – يا جابر – إلّا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء) ([2])
(وعلى رأس هؤلاء الصفوة: زرارة بن أعين، وأبو بصير الأسديّ، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفيّ، وبرير بن معاوية العجليّ… وهؤلاء الطليعة المتقدّمة من أصحابه تلتها طبقة ثانية من صحابته مثل: حمران بن أعين، وإخوته، ومحمّد بن مروان الكوفيّ، وإسماعيل بن الفضل وآخرون) ([3])
ثانياً: التوجيه التربوي والأخلاقي الدائم لشيعته، وهذا من أبجديات العمل المرجعي في علاقة الإمام بشيعته ومريديه، فكل إمام له منظومة أخلاقية ممنهجة يوجه من خلالها أخلاق الناس، ويزكي أفعالهم، ويقوم انزلاقاتهم الاجتماعية والأخلاقية هنا وهناك في معترك الحياة حيث الأهواء والرغبات.
ومن هنا ركّز الإمام الباقر (عليه السلام) على أهمّ المقوّمات الّتي تدفع النفس للتزكية ومنها: استشعار رقابة الله تعالى والإحساس بأنّه جل شأنه محيط بالإنسان، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ويشهد على سره ودواخله، ويعلم ما توسوس به نفسه. جاء في غرر مواعظه عليه السلام لبعض شيعته: (ويلك… كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنّك لست بعين الله أو كأنّ الله ليس لك بالمرصاد) ([4])
ثالثاً: إدامة روحية المواجهة مع الظلم، والحفاظ على إرادة الجماعة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) من الضعف والخمول والشلل، وإذكاء الروح المعنوية بإستمرار لإدامة زخم الثبات والتحدي والمواصلة رغم تسلط الظالمين واستبداد مؤسساتهم القمعية، وكان من وسائله ومناهجه في ذلك:
أ _ التصدي لإقامة الشعائر الحسينيّة بنفسه عليه السلام، وحث شيعته على إحيائها، والتفاعل معها، وبهذا كان يسعى لتجذير الرابطة العاطفية بسيد الشهداء عليه السلام، وتعميق الترابط الروحي مع ظلامته.
ب _ حثّه بأبي وأمي المتواصل على زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام، ونشر كم كبير من الأحاديث في فضيلة الزيارة وآثارها الدنيوية والآخروية؛ وذلك بهدف تعميق الارتباط الفكري والروحي الذي تحققه وتؤكده الشعائر، وزيادة استلهام روح الثورة من التفاعل مع إيحاءات القبر الشريف وزيارته.
روي عنه عليه السلام: (مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله عز وجلّ) ([5])
وروي عنه عليه السلام: (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي. فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل) ([6])
____
الهامش :
([1]) اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ج 2 ص 507.
([2]) الكافي ، الكليني : ج2 ص74.
([3]) مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب م.س: 239.
([4]) تحف العقول، الحراني، ص212 .
([5]) كامل الزيارات ، ابن قولويه : ص.121.
([6]) م . ن : ص 236 .
الشيخ عمار الشتيلي
1 رجب _ 1445 هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية