روي أن الإمام الصادق (عليه السلام) دعا مولى له يقال له: مصادف، فأعطاه ألف دينار وقال له: تجهز حتى تخرج إلى مصر، فان عيالي قد كثروا قال: فتجهز بمتاع، وخرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة، وكان متاع العامة فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح دينار دينارا، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة ، فدخل مصادف على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار
فقال: جعلت فداك هذا رأس المال ، وهذا الآخر ربح
فقال : إن هذا الربح كثير ، ولكن ما صنعتم في المتاع ؟
فحدثه كيف صنعوا وكيف تحالفوا،
فقال: سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلا بربح الدينار دينارا ؟! ثم أخذ أحد الكيسين فقال: هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح ، ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف ، أهون من طلب الحلال.([1])
من هذه الحادثة نستخلص عدة دروس منها:
1- لابد للمؤمن أن يسعى لطلب الرزق الحلال ويكد على عياله قال الصادق (عليه السلام): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.([2])
2- اختيار أفضل الأعمال .. وهي التجارة
عن محمد الزعفراني عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت: وإن كان معيلا ؟ قال: وإن كان معيلا إن تسعة أعشار الرزق في التجارة.([3])
وتوجد أحاديث كثيرة تبين فوائد المتاجرة منها: انها تزيد في العقل.([4]) وتركها ينقص العقل.([5])
3- من هذه الحادثة نتعرف بأنه ينبغي على الناصح أن يطبق ما ينصح به الآخرين وهذا هو ديدن القيادة الصالحة المصلحة وهذا هو ما أظهره الإمام الصادق (عليه السلام) حيث توجد كثير من الأحاديث – ومنها ما ذكرناه في النقطة الثانية – يحث فيها المؤمنين على المتاجرة.
4- على التاجر أن يتفقه في الدين قبل أن يتاجر حتى لا يكون في ماله حرام وفي سلوكه ظلم
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: من أتجر بغير علم، ارتطم في الربا ثم ارتطم.
وكان (عليه السلام) يقول: التاجر فاجر ، والفاجر في النار، إلا من أخذ الحق وأعطى الحق.
وكان (عليه السلام) يقول: معاشر الناس ! الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر.([6])
لهذا نرى موقف الإمام الصادق (عليه السلام) مخالف لموقف مصادف الذي فكر وعمل بعقلية التاجر غير المتفقه.
5- على الشريك أن يحاسب شريكه ولا يكتفي بأخذ الأرباح مع الأسف نجد الكثير من الناس يعطون أموالا لأشخاص لأجل المتاجرة ويأخذ نسبة من الربح وهو لا يعرف بماذا يتاجر شريكه !
6- لو أن مصادف أو غيره من التجار كانوا متفقهين وملتزمين بسيرة المعصومين (عليهم السلام) ولا يرغبون بالمال بهذه الطريقة وإن كثر ربما كان سيساهم بتغيير قناعات بقية التجار بعدم المضي بهكذا عملية لبيع البضاعة ولما لحق أهل مصر ظلم جراء هذا البيع … وغيرها من الفوائد. ([7])
—————————————————————————————————-
([1]) بحار الأنوار ج47 ص59. الكافي ج5 ص161.
([2]) الكافي، الكليني ج5 ص88.
([3]) الكافي، الكليني ج5 ص148.
([4]) عن الصادق (عليه السلام). وسائل الشيعة ج17 ص13 ح (21851).
([5]) المصدر السابق ح (21856) و (21858).
([6]) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الشيخ الطوسي ص371.
([7]) مقتبس من كتاب الأربعون مقالا، محمد النجفي، مخطوط.