تميزت فترة إمامة الحسن العسكري عليه السلام بالأهمية القصوى لأن مهمتها كانت التمهيد لإمامة الإمام المهد عجل الله تعالى فرجه الشريف والنص على إمامته وتعريف شيعة أهل البيت به والتمهيد لغيبته وربط الوكلاء به والتنسيق لاستمرار الارتباط الصحيح به، بحيث لا تنهار كل الأواصر التي أوجدها الأئمة الأطهار مع شيعتهم، ولا يتفتت الكيان الذي أسسوه على مدى قرنين ونصف من النشاط المباشر في تربية أتباعهم وضرورة الانتقال بهم من الارتباط المباشر إلى الارتباط غير المباشر، مع المحافظة على استقلال الكيان الشيعي في الوسط غير الشيعي الذي يهدد وجودهم…
كل هذه النقاط تشير إلى دقة وحراجة الظرف الذي كان يعيشه الإمام الحسن العسكري عليه السلام، حيث كان عليه أن يقوم بكل التمهيدات اللازمة خلال هذه الفترة القصيرة من مدة إمامته والتي لم تتجاوز الست سنوات، عاش خلالها الإمام عليه السلام ظروفاً حرجة لقيام العباسيين بمراقبة تحركات المعصومين عن كثب ومحاولتهم السيطرة على كل نشاطاتهم وهم يتوقعون كسائر المسلمين ولادة المهدي المنتظر من نسل الحسين بن علي عليهما السلام.
من هنا ينبغي الوقوف بدقة على كل الإجراءات التي قام بها الإمام الهادي عليه السلام لإعلان وتثبيت إمامة ابنه الحسن العسكري عليه السلام خلال فترة إمامته التي دامت 34 سنة والتي رافقها مثلَ نجله محمد المعروف بالفضل وجلالة القدر، ووجود الأرضية للانشقاق داخل الخط الشيعي كما حدث ذلك في حياة الإمام الصادق عليه السلام بالنسبة لابنه إسماعيل.
وقد عاصر الإمام العسكري عليه السلام أعواماً عصيبة من الخلافة العباسية مع سلاطين مستبدين توالوا على عرش الدولة منذ أن قدم سامراء مع أبيه الإمام الهادي عليه السلام أيام المتوكل عام (243هـ).
وأهم ظواهر هذا العصر، النفوذُ الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء في سلب زمام إدارة الدولة، وما اتصفوا به من سلوك شائن في التعامل مع الأهالي، وقد اضطر سابقاً المعتصم لنقل عاصمة الخلافة من بغداد إلى سامراء بسبب سلوك الأتراك السيئ وشكاية أهالي بغداد منهم، فضلاً عن قدرة الأتراك التي تمثلت في خلع وتعيين الخلفاء1.
ويمكن إجمال أهم مظاهر الحياة السياسية لذلك العصر الذي عاشه الإمام العسكري عليه السلام بما يلي:
1- تدهور الوضع السياسي للدولة العباسية حيث تم استيلاء الموالي والذين كان أغلبهم من الأتراك، وسيطرتهم على مقاليد السلطة في العاصمة والأمصار.
2- اللهو والمجون وحياة الترف التي كان يحياها الخليفة وأتباعه.
3- حوادث الشغب والفتن التي حدثت في بغداد.
4- الحركات الانفصالية في أطراف الدولة والتي يعود سببها إلى ضعف سلطان الخليفة، وكثرة حوادث الخروج على الدولة.
وقد أطلق المؤرخون على هذا العصر عصر ( إمرة الأمراء) ، ثم عصر الدول المستقلة كما هو الحال بالنسبة لإمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية (254هـ) والدولة السامانية (261 – 389هـ) وغيرها.. مما أدى إلى تفكك وسقوط الدولة العباسية سنة (656هـ).