شرعت الشريعة وعلى لسان أهل البيت (ع) أربعة أعياد للمسلمين , فـ عن سالم : سألت أبا عبد الله (ع) :
هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والاضحى والفطر ؟ قال : نعم , أعظمها حرمة .
قلتُ: وأي عيد هو جعلت فداك ؟
قال : اليوم الذي نصب فيه رسول الله (ص) أمير المؤمنين ع وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .. (1)
فعيد الغدير وأن عُدّ من الاعياد الاربعة إلا انه عيد انفرد وتميز عن البقية فهو من أكبر الاعياد الدينية , بل هو عيد الله الاكبر , فيه أكمل الله دينه وأتمم نعمته على عباده ورضي لهم بهذا الدين الاسلامي شريعة ومنهاجا الى يوم القيامة .
فيه نصب الرسول (ص) وزيره علي بن ابي طالب (ع) خليفة للمسلمين من بعده لتطبيق الأهداف الإلهية وتبليغها ومواصلة طريق الأنبياء .
وجاء الأمر الإلهي بالتبليغ والتنصيب بقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )) (2)
فإنقاد الرسول (ص) لأمر ربه ووقف في ذلك اليوم وفي تلك الظروف لتبيغ رسالة السماء العظيمة ويقول :
ألست أولى المؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . فقال (ص) :
من كنت مولاه فعلي مولاه , اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ) (3)
وبعد بلاغ الرسول نزلت آية الإكمال وهي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (4)
وهذا دليل واضح أن اكتمال أهداف الرسالة وضمان عدم وقوع انحراف أو فراغ تشريعي أو قيادي أو سياسي بعد الرسول (ص) إنما يتحقق باستمرارية القيادة الإلهية المخوّلة من الله تعالى لمن يعيُّنه .
إن لواقعة الغدير ولهذا الحدث الكبير أبعاد كثيرة ومتعددة , ولنركز هنا على بُعدها الاجتماعي , الذي حريٌّ بنا أن نعطي لهذا البعد حجمه الطبيعي ونركز عليه ونقرأه قراءة واعية ونعمل على تطبيقه على أرض الواقع.
فحادثة الغدير وإن كانت جديرة لإثبات مسألة الولاية والإيمان بإمامة علي بن ابي طالب (ع) عقائديا وفكريا إلا أن لها جوانب اجتماعية مهمة تجسدت بأمور منها :
_ إرادة النبي (ص) في تجميع كلمة المسلمين على ولاية علي (ع) وإقامة الحجة عليهم فتقوى بذلك أواصر الأخوة الإسلامية في المجتمع الإسلامي بل والبشري عموما , فيكون كتلة واحدة تقف بوجه الأعداء .
نعم , أراد للمسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد يترحم أحدهم على الآخر ويتألم اذا تألم اخاه , ويواسيه في أحزانه ويشاركه أفراحه. وهذا المبدأ دعا له الإسلام ومارسه الرسول (ص) في حياته وأمر به , حيث قال :
( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) (5)
_ من الأمور الأخرى التي تجسدت في تلك الواقعة ، هي أن عرض الولاية لأمير المؤمنين (ع) تم في تلك الظروف الصعبة , وفي ذلك الجو الحار وبعد مشقة الحج لتاتي مسألة تحمل الولاية وعرضها والإيمان بها والحفاظ عليها .
وهذه رسالة لنا لنثبت على ولايته (ع) ونتحمل الظروف الصعبة والمشقة التي تمر بالانسان وقد تجعله يضعف أمام مغريات الدنيا ولذائذها أو صعوبات الحياة ومشاقها فيقل تمسكه بولاية أهل البيت ع والسير على نهجهم ,بل عليه أن لايجعل أي ظرف يثنيه عن حبه وولائه لهم ع
_ وأيضا من الأمور والرسائل الاجتماعية التي وصلت لنا عبر رسالة الغدير والاختيارية الإلهية لعلي بن أبي طالب ع بعد النبي الأكرم (ص) هي أن المجتمع يحتاج إلى القائد الواعي الاجتماعي الذي يفكر بالمجتمع وبمصالحه المستقبلية للدين والدنيا .
وهذا القائد .. وهذه الشخصية تجسدت في أمير المؤمنين (ع) , وهنا جاء دور النبي (ص) ليجعل من هذا الشخص الذي يحمل تلك الروح المسؤولة والواعية والقيادية خليفة له من بعده , تلتف حوله تلك الثلة المؤمنة المصدقة بما نزل من السماء على لسان النبي..
والاحتياج لهذه القيادة الواعية الاجتماعية القريبة من الناس , والعارفة بكل شؤون حياتهم بصغيرها وكبيرها , قديمها وحديثها , مستمرة في عصر العصمة وفي عصر الغيبة الى عصر الظهور المبارك .
نسأل الله وبمناسبة عيد الغدير الأغر أن يجعلنا من المتمسكين والسائرين والثابتين على ولاية ونهج علي بن ابي طالب (ع)
إنه سميع الدعاء .
بقلم أم منتظر الكاظمي
المصادر:
(1)الكافي 4-149-3
(2)سورة المائدة 67
(3) سنن ابن ماجه (ج1-ص134) .. مسند احمد (ج2-ص112)
(4)سورة المائدة 3
(5)اخرجه احمد ومسلم عن النعمان بن بشير