قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ (الذاريات: 12).
الشكّ في ذاته ليس مذموماً، بل قد يكون بوابة للهداية وبحثاً صادقاً عن الحقيقة، إذا كان نابعاً من قلب يريد الوصول إلى النور، لكن الآية تشير إلى نوع آخر من الشك، هو الشكّ العبثي، الذي لا يقوده طلب الحق، بل يُستخدم ذريعة للهروب منه، ويتحول إلى أداة للعبث، والجدل العقيم، والتشويش على العقول.
هذا النوع من الشكّ لا يتقبل الحوار، ولا ينفتح على الرأي الآخر، ولا يملك استعداداً للاعتراف بالحق ولو ظهر أمامه واضحاً، من علاماته أنه يرفض كل صوت هادٍ، ويستخف بكل إصلاح، ويتفنن في التشكيك والتسقيط، لا عن دليل، بل عن هوى أو انتماء أو مصلحة.
ومع الأسف، تسود هذه الروح في كثير من الأوساط اليوم، حيث يُراد لكل صوت صادق أن يُخنق، ولكل شخصية مصلحة أن تُسقط، حتى لو كانت من الهداة الذين يدلّون الناس على طريق الله، ويحيون فيهم الإيمان.
هل هناك من يفكر اليوم بدين الناس حقاً؟
الذي يفكر بدين الناس، لا يحارب رموز الهداية، ولا يُضعف ثقة المجتمع بمن يسير بهم نحو القرآن والإيمان، بل يحمي تلك الأصوات، ويشدّ أزرها، ويقف معها في وجه التيارات العبثية التي تريد أن تُغرق الناس في الحيرة والضياع.
الناس اليوم لا يريدون صراعاً بين الأسماء، بل يبحثون عن من يدلهم على الصراط، عن مُصلح صادق، عن هادٍ يخرجهم من ظلمات التيه إلى نور اليقين، وهذه مسؤولية عظيمة لا يحملها إلا من طهّرت نفسه من الهوى، وتسلّح بالتقوى، واستقل برأيه عن الضغوط والتأثيرات.
وهذا عين ما يربطنا بسماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي، فما يربطنا به ليس مجرد تقليد فقهي، بل رابطة قلبية وروحية وعقلية، تفوق بكثير ما يربط غيرنا بفُقَهائهم.
نحن أمة نرى في فقيهنا مرآةً للهدى، وامتداداً لمسؤولية الأنبياء والأوصياء، نسأل الله أن يحشرنا معه يوم القيامة، كما توليناه في الدنيا، لأنه لم يتاجر بديننا، ولم يتخذنا سلماً لمصالحه (حاشاه)، بل تحمّل الكثير من الأذى والتشويش ليحفظ ديننا، ويصون كرامتنا، ويقودنا إلى الله، كل من عرفه وارتبط به يجد فيه الحرص الشديد على دنيانا وآخرتنا وطهارة نفوسنا وقلوبنا ولا يقبل لنا أن نتلوث بهذه الدنيا الدنيئة ولا حتى يرضى لنا أن نتحرك من منطلق التنافس، بل دائماً ما يؤكد على أن يكون العمل خالصاً لله تعالى، فكيف تريدون أن لا نتبعه ونتخذه إماماً وهادياً؟!
هادي حسين ناصري/ إسلام آباد