كلؤلؤة على شاطئ بحر، شع ذلك الكيان النوراني في دنيا الوجود، في أحضان بيت الوحي ورعاية الوصي، ملتقى آيات العظمة، تفتح عينها في وجوه أشرقت بنور ربها، أب ليس كباقي الآباء وفي حجر أم هي سيدة للنساء، أطهر أنثى على وجه الأرض، تنهل أسمى الدروس والأخلاق، فهي حصيلة الفضائل، وثمرة العظمة… زينة أبيها.
لما ولدت السيدة زينب عليها السلام أُخبرالنبي صلى الله عليه وآله بذلك، فأتى منزل ابنته فاطمة عليها السلامأ وقال :يا بنيه ايتيني ببنتك المولودة، فلما أحضرتها، أخذها النبي صلى الله عليه وآله وضمها الى صدره الشريف ووضع خده على خدها فبكى بكاءً شديداً، وسالت دموعه على خديه فقالت فاطمة مم بكاؤك، لا أبكى الله عينيك يا أبتاه؟ فقال :يا بنتاه يافاطمة، إن هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ورزايا أدهى، يابضعتي وقرة عيني، إن من بكى عليها وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها.. ثم سماها زينب”.
آن لتلك النبتة الطيبة أن تنمو لتكون شجرة باسقة وارقة الظلال، غزيرة العطاء، تستظل كل الأجيال تحت أغصانها، آن لهذا الوجود الملكوتي أن يمد جناحيه لينشر شذاه في ربوع الأرض، ذابت ربيبة الإمامة بحب المعبود والانقطاع له ومازالت كذلك حتى في أقسى ليلة في حياتها، حيث فقد الأحبة، وأجساد أخوتها وأبنائها مطروحة على الرمضاء الحارقة، فلم تأخذ بلبها قساوة الأحداث وعواصف الزمانأ فتعطي درساً للأمة في معنى الصمود والإباء والشموخ.
شاءت الإرادة الإلهية أن تمر سليلة النبوة وفرع الدوحة العلوية خلال أدوار حياتها بمآسي ومصائب مفجعة اهتزت لها الجبالأ بدأت من افتجاعها بجدها رسول الرحمة وأمها الزهراء عليها السلام، ثم حزنها على فراق أبيها، ثم استشهاد أخيها الحسن مسموماً، وتمر رحى الأيام وإذا بها تواجه أعظم فاجعة عرفها الزمان واهتز لها عرش الرحمن، فعاشت تلك الأحداث المؤلمة من دون تزلزل ولا ارتباك.
زينب الحوراء، ذلك الطود الشامخ الذي علم الإنسانية كيف يكون الصمود والثبات وكيف تكون العفة والحياء في أحلك الظروف، تلك المرأة التي ماكان يرى شخصها أحد.. تلألأ ذلك النور وشع ضياؤه في سماء كربلاء، خرجت تلك اللبوة مع أخيها الحسين عليه السلام عندما تحتم عليها الواجب الشرعي ذلك.
وقفت في وجه تلك الطغمة الفاسدة، انهدرت منها كلمات علي الكرار حيث الفصاحة والبلاغة، فنكست بكلماتها رؤوس الطغاة وكسرت الصمت الذي طبق على أفواههم حتى تهاوت حجج الخصوم وفضحت نواياهم.
أذن هي مسيرة حافلة بالعطاء نتعلم منها معنى العفة والصمود والثبات رغم كل الصعوبات والليالي الحالكات، وهي مثال يقتدي به كل الرجال والنساء، فتلك هي زينب الحوراء سيف الحسين الناطق، ربيبة علي والزهراء مدرسة للشموخ والإباء.
صفية الجيزاني