صفية الجيزاني
كلؤلؤة على شاطئ بحر، شع ذلك الكيان النوراني في دنيا الوجود، في أحضان بيت الوحي ورعاية الوصي، ملتقى آيات العظمة، تفتح عينيها في وجوه أشرقت بنور ربها، أب ليس كباقي الآباء وفي حجر أم هي سيدة للنساء، أطهر أنثى على وجه الأرض، تنهل أسمى الدروس والأخلاق، فهي حصيلة الفضائل، وثمرة العظمة… زينة أبيها.
لما ولدت السيدة زينب (عليها السلام) أُخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك، فأتى منزل أبنته فاطمة (عليها السلام) وقال: يا بنيه إيتيني ببنتك المولودة، فلما أحضرتها، أخذها النبي (صلى الله عليه وآله) وضمها إلى صدره الشريف ووضع خده على خدها فبكى بكاءً شديداً، وسالت دموعه على خديه فقالت فاطمة مم بكاؤك، لا ابكى الله عينيك يا أبتاه؟ فقال :يا بنتاه يا فاطمة، إن هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ورزايا أدهى، يا بضعتي وقرة عيني، إن من بكى عليها وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها.. ثم سماها زينب”1.
آن لتلك النبتة الطيبة أن تنمو لتكون شجرة باسقة وارقة الظلال، غزيرة العطاء، تستظل كل الأجيال تحت أغصانها، آن لهذا الوجود الملكوتي أن يمد جناحيه لينشر شذاه في ربوع الأرض، ذابت ربيبة الإمامة بحب المعبود والانقطاع له ومازالت كذلك حتى في اقسى ليلة في حياتها، حيث فقد الأحبة، وأجساد أخوتها وأبنائها مطروحة على الرمضاء الحارقة، فلم تأخذ بلبها قساوة الأحداث وعواصف الزمان فتعطي درساً للأمة في معنى الصمود والإباء والشموخ.
شاءت الإرادة الإلهية أن تمر سليلة النبوة وفرع الدوحة العلوية خلال أدوار حياتها بمآسي ومصائب مفجعة اهتزت لها الجبال بدأت من افتجاعها بجدها رسول الرحمة وأمها الزهراء (عليها السلام)، ثم حزنها على فراق أبيها، ثم استشهاد أخيها الحسن مسموماً، وتمر رحى الأيام واذا بها تواجه أعظم فاجعة عرفها الزمان وأهتز لها عرش الرحمن، فعاشت تلك الأحداث المؤلمة من دون تزلزل ولا ارتباك.
زينب الحوراء، ذلك الطود الشامخ الذي علم الإنسانية كيف يكون الصمود والثبات وكيف تكون العفة والحياء في أحلك الظروف، تلك المرأة التي ما كان يرى شخصها أحد.. تلألأ ذلك النور وشع ضياؤه في سماء كربلاء، خرجت تلك اللبوة مع أخيها الحسين (عليه السلام) عندما تحتم عليها الواجب الشرعي ذلك. وقفت في وجه تلك الطغمة الفاسدة.
انهدرت منها كلمات علي الكرار حيث الفصاحة والبلاغة فنكست بكلماتها رؤوس الطغاة وكسرت الصمت الذي طبق على أفواههم حتى تهاوت حجج الخصوم وفضحت نواياهم.
إذن هي مسيرة حافلة بالعطاء نتعلم منها معنى العفة والصمود والثبات رغم كل الصعوبات والليالي الحالكات وهي مثال يقتدي به كل الرجال والنساء.
فتلك هي زينب الحوراء سيف الحسين الناطق، ربيبة علي والزهراء مدرسة للشموخ والإباء.
…………………………….
1-الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب ص38
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية