بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الخطاب الفاطمي الأخير في عامه السابع عشر يوم الثالث من جمادى الآخرة 1443 الموافق يوم الجمعة 7/1/2022، والذي ألقاه المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (حفظه الله تعالى ورعاه) والمعنون (القيام الفاطمي نصرة لله تعالى). يمثل منهجاً رئيسياً وبرنامج عمل للمؤمن الذي يريد أن يعرف كيف ينصر الزهراء (سلام عليها)، كيف ينصر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، كيف ينصر دين الله جل و علا، كيف ينصر الله جل جلاله!.
نعم، فقد بين المرجع الخطوط العامة انطلاقاً من الآية المباركة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّه )) التي يستطيع الكل أن يدركها ويعمل جاهداً لتطبيقها، وضحها بشكل سلسل ومتدرج أغنانا عن عناء جمع سبل النصرة. الخطاب الذي وجه للمؤمنين عامة وشبهه بخطاب نبي الله عيسى عليه السلام للحواريين (( كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ )).
وقد يراه بعض المؤمنين بأنه موجه لهم بالخصوص و لا عمومية فيه، وهذا يكون صحيحاً فقط حينما تكون المسؤولية أكبر عليهم، أو قل بأن الخطاب من باب الأولوية يكون لهم كما في الحواريين فيستحسن أن تكون الإجابة نصرة بالواقع العملي بعيداً عن الألفاظ التي قد لا تكون ذات واقع خارجي صادق.
وهذه الدعوة بالإضافة إلى كونها مسؤولية مهمة – من ناحية المطلق لها، ومن ناحية من أطلقت إليه واستجاب بصدق – فهي نوع اختيار واصطفاء إن رأيتَ نفسك ممن وجهت له الدعوة، فهي (دعوة من الله تبارك وتعالى إلى جميع المؤمنين أن ينصروا الله تعالى وذلك بأن يكونوا من أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله في نشر الإسلام والدفاع عنه، وهذه الدعوة تشريف للإنسان وسبب لرفعته وافتخاره بأن خالق السماوات والأرض ومن بيده ملكوتهما يدعوه إلى نصرته ليحفّزهم على ذلك، فأن ربط النصرة بالله تعالى يعطيها أكبر زخم).
و هكذا يجب أن تكون النصرة خالصة لله تعالى لا شرك فيها خفي فضلاً عن الظاهر، ولا طمع دنيوي بمال أو منصب أو تقرب مكاني أو نسبي!. فشرط ( تحصيل الأجر بأن تكون النية خالصة لله تعالى، وليس طمعاً بما عند الرسول صلى الله عليه وآله ) .
روي في كتب السيرة أنه لما قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتوزيع العطايا في قريش وبعض القبائل ولم يعط للأنصار مثلهم كثر منهم القيل و القال فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن حدثهم و ذكرهم قائلا ضمن ما قال: ( ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ) ؟!
فكان جواب الواعين منهم: (رضينا برسول الله قسما وحظا).
فهكذا يجب أن يكون من يرى نفسه مطيعا و مقربا و مواليا ، أن يكون خالص النية لله تعالى لا طمعا بالمناصب أو النفوذ أو المال أو الجاه، أن ينأى بنفسه بعيدا عن المطامع المتعددة .
فمن ينتظر شيئاً مادياً بنصرته الظاهرية فليترك الأمر سريعا لأنه سيكون وبالاً عليه، فضلاً عن فشله في الحصول على مبتغاه خاصة وان الطمع لا حد له !. وستفضحه فلتات لسانه و كثرة تذمره وانتقاده ، وهكذا يتذبذب في مواقفه في شتى الاتجاهات وقد يصل إلى الضياع و التيهان بعد أن يجرب من هم على شاكلته من أهل الدنيا .
ومن لا ينتظر ذلك الغرض – الخاص ، الجزئي و الدنيوي – من نصرته فستنفتح له الأمور المادية الحلال و الأخروية المباركة .
فإن رأينا أنفسنا و(( الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) بأننا سنكون من أهل النوايا الصادقة غير الطامعة إلا في رضا الله تعالى فلنجب كما أجاب الحواريون (( نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ )) وإلا فلا ، لا ندعي شيئا لا نستطيع الإيفاء به فننال بغض الله جل و علا عوضا عن حبه ! ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )) .
ننصر الله تعالى من خلال نصرة داعي الله ، أي داعي لله جل وعلا من رسل و أنبياء و أوصياء وأئمة أو علماء ، بأن ( يعينوه على أداء رسالته ـ فالنصر هو العون ـ ويعاضدوه في هداية الناس إلى السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى ….) فـ ( لابدَّ لكل صاحب مشروع أن يكون له أنصار ومؤيدون ليعينوه على إقامة المنهج الإلهي في الأرض ) .
فهي دعوة لنصرة الله تعالى في كل زمان و مكان ، دعوة تأسيس و تأكيد ، تأسيس لمن لم يلتحق بالركب فهي دعوة له ونوع إلقاء حجة ، وتأكيد لمن التحق سابقا سواء عُرف سبب التأكيد كما في دعوة الحواريين للنصرة وهم الخلص ، وأن سبب ذلك ما تبين من خذلان القوم للنبي عليه السلام (( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )) ، أو لم يعرف السبب إلا عند صاحب الدعوة نفسه فقد يكون لشحذ الهمم أو للتذكير أو لملاحظته التكاسل و الاتكال على الغير وما إلى ذلك .
فإن تحققت النصرة من العدد الكافي تحقق النصر الموعود ((فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ )) .
وقد بين المرجع أهم مصاديق النصرة ، كيف تتحقق وأولها كما قال دام ظله : ( النفس وهي الساحة الأولى والأهم لنصرة الله تعالى … وتتحقق هذه النصرة بتهذيب النفس الأمارة بالسوء وكبح جماح شهواتها والسيطرة على غرائزها وتنقيتها من أغلال الأنانية والحقد والتعصب والحسد وحب الدنيا وسائر الرذائل، وتزيينها بالفضائل والعلوم النافعة والتفقه في الدين والعمل به).
ثم الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وتحبيبه إلى الناس ، ثم نصرة حجج الله تعالى على خلقه وهم النبي وآل النبي عليهم جميعا سلام الله ، ثم مؤازرة العلماء العاملين المخلصين لربهم ودينهم وأمتهم ، ثم نصرة دين الله تعالى بنشره وتعريف الناس به وتحبيبه إلى الناس ، ثم السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وتحريره من أغلال الظلم والانحراف والمعاصي والعبودية للطواغيت والمستكبرين ونصرة المستضعفين والمحرومين ، ثم سابعا السعي لإقامة شعائر الله تعالى والحث عليها والمساهمة فيها بما يتيسر، واعمار المساجد و تفعيل دور المسجد والقرآن في حياة الأمة ، و آخرها ثامنها رعاية المواهب والكفاءات وإيجاد فرص العمل وقضاء حوائج الناس وتزويج المتعففين .
وبعد هذا البيان وجه المرجع خطابه العام قائلاً:
( فلا تقصروا في الالتحاق بهذا الركب المبارك وعدم ادخار أي جهد عن نصرة الدين وأهله وهنا يحثنّا أمير المؤمنين عليه السلام على بذل كل الجهود في هذه المجالات المتنوعة لنصرة الله تعالى ) .
ونتيجة ذلك ان نصرتم الله تعالى ان (( يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )) ، و ( اعلموا أن من يتقاعس ويتخاذل ويبخل فإنه لا يضر إلا نفسه وإن الله غني عن العالمين وسيأتي بقوم آخرين يقومون بهذا الواجب ويفوزون بثوابه العظيم ) .
فأول وأهم مصاديق النصرة هي النفس من خلال السعي لتهذيبها وباقي النقاط تأتي تباعا فلا خير يرجى من نصرة من كان أنانيا حاقدا حاسدا محبا للدنيا و الرذائل ، فهي أس النصرة و أساسها .
نقاط مهمة :
1- على الفرد أن ينشغل بتكليفه لا بتكليف غيره ، أن ينشغل بنفسه لا بغيره ، بنصرته لا بنصرة غيره (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ )) ! .
2- ما يسمى بالحلقة الوسطية تشمل كل إنسان يملك من الوعي ما يفهم به مراد كلام المرجع فلا تنحصر بفئة دون أخرى خاصة مع سهولة الحصول على كلام المرجع بياناته و خطبه وغير ذلك من توجيهات و نصائح ، فكونك من الحلقة الوسطية يعتمد على مقدار وعيك لا أن الحلقة الوسطية هم فقط فئة المعممين .
3- الصورة التي انتشرت للمرجع من خلف المنصة ، لظل المرجع لا سر فيها ، غايته أن المصور وجدها لقطة مناسبة لظل المرجع لم تؤخذ له سابقا ولم يتوقع أي أحد أن الظل سيكون هكذا .
4- في كل عام وقبل خطاب المرجع يتم اختيار مجموعة من الفضلاء للوقوف خلف المرجع لا أفضلية لهم على غيرهم مجرد اختيار من الحاضرين ، وفي السنوات الأول لم يكن الأمر منظما ثم لاحقا تم ترتيب الأمر و بتوجيه ان يكون الفضلاء الذين يقفون خلف المرجع – أحيانا أربعة أو خمسة – من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله ( السادة ) .
وهكذا تم الاستعداد لهذا الأمر هذه السنة وكالعادة وتم تحديد بعض من يصعد من السادة والى قبل الخطاب بدقائق صدر التوجيه بعدم صعود أحدٍ !
ما مغزى الأمر ؟
ما دلالاته ؟
في حينها لم أجد جوابا إلا تنفيذ الأمر ، ولم استمع للخطاب كاملا حينها كعادتي في كل سنة لانشغالي ببعض الترتيبات داخل بناية جامعة الصدر ( مدرسة البغدادي ) ، ولاحقا ربما مساء نفس اليوم أو بعده أقرأ أو استمع للخطاب جيدا .
الجواب الدقيق لذلك عند سماحة المرجع حفظه الله ورعاه وما قيل فتحليلات ظنية قد تصيب و قد تخطئ ، ومنها ما سأقوله الآن فهو مجرد فهم خاص بي .
فأقول :
في بدايات الأمر لم يكن الأمر مرتبا بشكل خاص ربما للظرف الأمني فكان يصعد مع المرجع و خلفه على المنصة بعض الفضلاء بغض النظر عن كونهم من بني هاشم أو لا , ثم لاحقا وبتوجيه تقرر أن يصعد فقط بعض السادة ممن يتم اختيارهم حينها في إشارة رمزية إلى كونهم أبناء الزهراء سلام الله تعالى عليها و التشييع و ما فيه لجدتهم سلام الله تعالى .
ثم في هذه السنة بحسب ما افهمه فان الأمر يتعلق بموضوع الخطاب من طلب النصرة من الجميع مقلدين و غير مقلدين ، معممين و غير معممين ، من سادات بني هاشم أو غيرهم ، النصرة لدين الله تعالى ، لمواجهة الانحرافات التي تعصف بالأمة و التي جعلت الزهراء سلام الله تعالى عليها في زمانها تخرج رافضة لها ، في وجه الظلمة .
النصرة من الجميع لا استثناء من ذلك فقد توحي الصورة بأن من يقف على المنصة غير مشمول بالخطاب لذا لم يكن إلا المرجع وحيدا يرفع صوته طالبا للنصرة ! .
أقول :
رسالة عدم وجود أحد خلف المرجع في إشارة إلى أن الجميع مخاطبون بطلب النصرة و لا ميزة لأحد عن أحد ، لا ميزة للقرابة أو القرب إلا بمقدار ما يحسنه و يستطيعه من النصرة .
وهل الجميع مقصر ام لا ؟
هذا ما يعرفه الفرد عن نفسه ، و الأفضل له أن يتصور أن الخطاب كان موجها له لا لغيره ، يخصه فقط و فقط لقصوره و تقصيره و بذا يسعى بمقدار جهده لتدارك ذلك و الله الموفق و المسدد .
و الحمد لله رب العاملين .
علي خليفة جابر
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية