قال ابن أبي الحديد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله مال إليها وأحبها، فازداد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله، وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتى خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: “إنها سيدة نساء العالمين، وإنها عديلة مريم بنت عمران، وإنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش “يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، وهذا من الأحاديث الصحيحة.
وقال شهاب الدين الآلوسي: عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: “أربع نسوة سادات عالهنَّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهن عالماً فاطمة”… والذي أميل إليه أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث أنها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل ومن حيثيات أخر أيضاً، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها عليها من بعض الجهات، وبحيثية من الحيثيات.
إذ البضعيّة من روح الوجود وسيد كل موجود، لا أراها تقابل بشئ، وأين الثريا من يد المتناول؟ ومن هنا يعلم أفضليتها على عائشة ـ رضي الله عنها ـ الذاهب إلى خلافها الكثير محتجين بقوله صلى الله عليه وآله: “خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء”.
وأنت تعلم ما في هذا الاستدلال، وأنه ليس بنص على أفضلية الحميراء على الزهراء. أما أولاً، فلأن قصارى ما في الحديث الأول على تقدير ثبوته إثبات أنها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين، وهذا لا يدل على نفس العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام، ولعلمه صلى الله عليه وآله أنها لا تبقى بعده زمناً معتداً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم يقل فيها ذلك، ولو علم لربما قال: خذوا كل دينكم عن الزهراء.. على أن قوله عليه الصلاة والسلام: “إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي، لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض” يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفى. كيف لا، وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيدة تلك العترة.
وقال العلامة المجاهد السيد شرف الدين رضي الله عنه: تفضيلها على مريم عليها السلام أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإمامية وغيرهم، وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من محققي أهل السنة والجماعة كالتقي السبكي، والجلال السيوطي، والبدر، والزركشي، والتقي المقريزي، وابن أبي داود، والمناوي فيما نقله عنهم العلامة النبهاني في “فضائل الزهراء” ص59 من كتابه “الشرف المؤبد”، وهذا هو الذي صرح به السيد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية ونقله عن عدة من أعلامهم، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعلي في سيرته النبوية.
أقول: وهذا نص كلامه: وهي الزهراء والبتول أفضل نساء الدنيا حتى مريم ـ رضي الله عنها ـ، كما اختاره المقريزي والزركشي والحافظ السيوطي في كتابه “شرح النقابة” و”شرح جمع الجوامع” بالأدلة الواضحة التي منها أن هذه الأمة أفضل من غيرها، والصحيح أن مريم ليست بنبية بل حكي الإجماع على أنه لم يتنبأ امرأة قط.
وقال صلى الله عليه وآله: “مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها” رواه الترمذي. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” يا بنية، ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت: يا أبت فأين مريم؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها”، رواه ابن عبد البر، وقد أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين، قالت عائشة: “ما رأيت أحداً قط أفضل من فاطمة غير أبيها”.
وروى المجلسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة “إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين”.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون”. وفي رواية مقاتل والضحاك وعكرمة عن ابن عباس: “وأفضلهن فاطمة”.
وعن محمد بن سنان، عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله في فاطمة: “إنها سيدة نساء العالمين” أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم، كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وعن الحسن بن زياد العطار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، أسيدة نساء عالمها؟ قال: ذاك مريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض.
وفي الحديث: إن آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنة.
وروى السيد الشبر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله: “فاطمة خير نساء أمتي إلا ما ولدته مريم”، ثم قال: وأحسن توجيهاته على تقدير صحة أن تكون فيه “إلا” بمعنى الواو كما ذكره أهل العربية، وحملوا عليه قوله تعالى: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾، ويكون المعنى أنها خير نساء أمة ما ولدته مريم وهو عيسى؛ وخصص تلك الأمة بالذكر لكثرة النساء الصالحات العابدات فيها دون أمم سائر الأنبياء.