روى ابن عبد البر في الاستيعاب عن النبي صلى اللَّه عليه و آله أنه قال: لفاطمة: يا بنية ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين، قالت: يا أبت فأين مريم،قال: تلك سيدة نساء عالمها فإذا احتج البعض بقوله تعالى في آل عمران (قالت الملائكة يا مريم إن اللَّه اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين) قلنا على نساء عالم زمانها، و ذلك كقوله تعالى لموسى (إني اصطفيتك على الناس) و كقوله تعالى عن نبي اسرائيل (و لقد اخترناهم على علم على العالمين) و قال تعالى (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أني فضلتكم على العالمين) و معلوم، كما يقول ابن كثير في البداية و النهاية، أن إبراهيم عليه السلام أفضل من موسى، وأن محمداً صلى اللَّه عليه و آله أفضل منهما، و كذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها، و أكثر عدداً و أفضل علماً و أزكى عملاً من بني اسرائيل و غيرهم.
و روى الإمام أحمد في المسند عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت على أمي يوماً فسألتني: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، فقلت لها منذ كذا و كذا، لم أره، فنالت مني و نهرتني، فلما رأيتها غضبى فلت لها: دعيني فإني ذاهب إليه، وسأصلي معه المغرب، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي، قال حذيفة فأتيت النبي صلى اللَّه عليه و آله فصليت معه المغرب و العشاء ثم انصرف النبي صلى اللَّه عليه و آله من صلاته فتبعته، و بينما نحن في طريقنا عرض للنبي صلى اللَّه عليه و آله عارض فناجاه، ثم ذهب فتبعته أيضاً فسمع مشيتي خلفه، فالتفت إلي و قال من هذا، قلت حذيفة بن اليمان يا رسول اللَّه، فقال لي مالك، فحدثته بحديث أمي، فقال لي: غفر اللَّه لك و لأمك، ثم قال لي: أما رأيت العارض الذي عرض لي، فقلت له نعم يا رسول اللَّه، فقال: ذلك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، و قد استأذن ربي في أن يسلم علي و يبشرني أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، و أن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين».
و روى الصادق في الأمالي بسنده عن النبي صلى اللَّه عليه و آله أنه قال في فاطمة «و إنها لسيدة نساء العالمين»، فقيل يا رسول اللَّه: أهي سيدة نساء عالمها؟، فقال تلك مريم ابنة عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين»، و عن عائشة رضي اللَّه عنها إن النبي صلى اللَّه عليه و آله قال، و هو في مرضه الذي توفي فيه، يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، و سيدة نساء هذا الأمة، و سيدة نساء المؤمنين» و في رواية الحاكم في المستدرك: «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، و سيدة نساء هذه الأمة» و عن عمران بن حصين أن الرسول صلى اللَّه عليه و آله قال لفاطمة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، قالت: فأين مريم ابنة عمران، قال لها: أي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، و أنت سيدة نساء العالمين»، و أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: «ما رأيت أحداً قط أفضل من فاطمة غير أبيها».
وهكذا ذهب كثير من العلماء المحققين، و منهم التقي السبكي و الجلال السيوطي و البدر الزركشي و التقي المقريزي و البلقيني والسهيلي، أن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أفضل نساء الدنيا، حتى مريم ابنة عمران، و عبارة السبكي حين سئل عن ذلك، فقال: الذي نختاره أن فاطمة بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله أفضل، و سئل عن ذلك ابن أبي داود، فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قال: «فاطمة بضعة مني، و لا أعدل ببضعة رسول اللَّه أحد» و يقول السهيلي: و هذا استقراء حسن، و يشهد لصحة هذا الإستقراء أن أبالبابة، حين ربط نفسه في المسجد، و حلف أن لا يحله إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله فجاءت فاطمة لتحله فأبى من أجل قسمه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: إنما فاطمة مضغة مني، فحلته.
هذا و قد ذهب الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني) إلى أن فاطمة البتول أفضل النباء المتقدمات و المتأخرات من حيث أنها بضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و هذا يدل على أفضليتها على عائشة، رغم من احتج بفضل عائشة بحديث «خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء» و حديث «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام»، و القول بأن عائشة يوم القيامة في الجنة مع زوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و فاطمة مع زوجها على ابن أبي طالب، و فرق عظيم بين مقام النبي صلى اللَّه عليه و آله و مقام عليّ، و كل ذلك لا يدل على فضل عائشة على الزهراء لأسباب كثيرة، مهها (أولاً) أن قصارى ما في الحديث الأول، على تقدير ثبوته، إنما يدل على أن السيدة عائشة كانت عالمة، و هذا لا يدل على نفي العلم المماثل لعلمها عند الزهراء، بضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و لعلمه صلى اللَّه عليه و آله أن الزهراء لا تبقى بعده طويلاً، أي زمناً معتداً به يمكن أخذ الدين عنها فيه، و لهم لم يقل فيها ما قاله في عائشة، و لو علم لربما قال «خذوا كل دينكم عن الزهراء» و عدم هذا القول على من دل العقل و النقل عن علمه، لا يدل على مفضوليته، و إلا لكانت عائشة أفضل من أبيها الصديق رضي اللَّه عنه لأنه لم يرو عنه في الدين إلا قليل، لقلة لبثه بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و منها (ثانياً) قول النبي صلى اللَّه عليه و آله: «إني تركت فيكم الثقلين، كتاب اللَّه و عترتي، لا يفترقان حتى يردا على الحوض»،يقوم مقام ذلك الخبر و زيادة، كما لا يخفى، كيف لا، و فاطمة (رضي اللَّه عنها)سيدة تلك العترة.
و منها (ثالثاً) أن حديث «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» معارض لقوله صلى اللَّه عليه و آله «فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين»، بل إن هذا الحديث الأخير أظهر في الأفضلية، و أكمل في المدح عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصب و التعسف، لأن ذلك الخبر، و إن كان ظاهرًا من الأفضلية، ولكنه قيل، و لو على بعد، إن «أل» في النساء، فيه للعهد، والمراد بها الأزواج الطاهرات الموجودات حين الإخبار، و لم يقل مثل ذلك في هذا الحديث (حديث فضل خديجة)، و منها (رابعاً) أن القول بأن عائشة ستكون في الجنة مع زوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و أن فاطمة ستكون مع زوجها الإمام علي، و فرق كبير بين مقام النبي صلى اللَّه عليه و آله و علي، قياس مع الفرق يستدعي أن تكون سائر زوجات النبي صلى اللَّه عليه و آله أفضل من سائر الأنبياء و المرسلين، عليهم الصلاة والسلام، لأن مقامهم بلا ريب، ليس كمقام صاحب المقام المحمود سيدناو مولانا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك قطعاً، و هذا ما لم يقل به أحد.
و منها (خامساً) الأحاديث الشريفة المذكورة هنا في أول هذا البند من فضائل الزهراء (رقم 13) و أنها سيدة نساء العالمين، و هي أحاديث تقول بلسان عربي مبين لمن لا يريد أن يتجاهل فضل الزهراء، أن فاطمة سيدة نساء العالمين، و هناك حديث متفق عليه، عن عائشة نفسها، أن النبي صلى اللَّه عليه و آله قال لفاطمة: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المومنين» (رواه البخاري و مسلم و أحمد و ابن سعد) و لم يأت لمريم ذكر، و هكذا فضلت فاطمة لأنها بضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و لا يمكن أن يعدل مسلم ببضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أحداً، و منها (سادساً) أنه لما أقسم أبولبانة عندما ربط نفسه في مسجد ألا يحله أحد إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و جاءت فاطمة لتحله فأبى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: «إنما فاطمة بضعة مني» فحلته.