تُعتبر شخصيّة الزهراء المطهَّرة (عليها السلام) في الأبعاد السّياسيّة والاجتماعيّة والجهاديّة، شخصية مميزة بحيث إنّ جميع النّساء المجاهدات والثوريّات والمميّزات والسياسيّات في العالم، يُمكنهنّ أن يأخذن الدروس والعبر من حياتها القصيرة والمليئة بالمحتوى والمضمون.
إمرأةٌ وُلدت في بيت الثورة، وأمضت كلّ طفولتها في حضن أبٍ كان في حالة مستمرّة من الجهاد العالميّ العظيم الّذي لا يُنسى، تلك السيّدة الّتي كانت في مرحلة طفولتها تتجرّع مرارات الجهاد في مكّة، وعندما حوصرت في شعب أبي طالب، لمست الجوع والصعاب والرّعب وكلّ أنواع وأصناف الشّدائد في مكّة، وبعد أن هاجرت إلى المدينة، أضحت زوجة رجلٍ كانت كلّ حياته جهاداً في سبيل الله، فلم تمرّ سنة أو نصف سنة على هذا الزّوج لم يكن فيها في جهادٍ في سبيل الله، أو لم يذهب فيها إلى ميدان المعركة، طيلة المدّة التي عاشتها فاطمة الزّهراء (عليها السلام) مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتي قاربت الإحدى عشرة سنة.
وكانت هذه المرأة العظيمة والمضحّية زوجةً لائقةً لرجلٍ مجاهدٍ وجنديّ وقائد دائمٍ في ميدان الحرب. فحياة فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، وإن كانت قصيرة ولم تبلغ أكثر من عشرين سنة، لكنّها من جهة الجهاد والنّضال والسّعي والصّبر الثوريَّين، والدّرس والتّعليم والتعلّم والخطابة، والدّفاع عن النبوّة والإمامة والنّظام الإسلاميّ، كانت بحرًا مترامياً من السّعي والجهاد والعمل، وفي النّهاية الشهادة.
إنّ جهاد تلك المكرَّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجيّ في الدفاع عن الإسلام، وفي الدّفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدّفاع عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي حفظ أكبر القادة الإسلاميّين، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) زوجها.
هذه هي الحياة الجهاديّة لفاطمة الزّهراء (عليها السلام)، الّتي هي عظيمة جداً واستثنائية، وفي الحقيقة لا نظير لها، ويقيناً ستبقى في أذهان البشر ـ سواء اليوم أو في المستقبل ـ نقطةً ساطعةً واستثنائية.
النقطة الساطعة في حياة الزهراء (عليها السلام)
توجد نقطةٌ مهمّة في حياة الزّهراء المطهّرة (عليها السلام) يجب الالتفات إليها، وهي الجمع بين حياة إمرأة مسلمة في سلوكها مع زوجها وأبنائها وقيامها بمسؤوليّاتها في البيت من جهة، وبين مسؤوليّات الإنسان المجاهد الغيور الّذي لا يعرف التّعب في التّعامل مع الأحداث السّياسيّة المهمّة بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث جاءت إلى المسجد وخطبت واتّخذت المواقف ودافعت وتحدّثت، وكانت من جهاتٍ أخرى مجاهدة بكلّ ما للكلمة من معنىً، لا تعرف التّعب، وتتقبّل المحنة والصّعاب.
ومن جهةٍ ثالثة، فقد كانت عابدة ومقيمة للصّلاة في الليالي الحالكة، وتقوم لله خاضعةً خاشعة له، وفي محراب العبادة كانت هذه المرأة الصبيّة كالأولياء الإلهيّين تناجي ربّها وتعبده.
إنّ هذه الأبعاد الثلاثة مجتمعةً تُمثّل النقطة الساطعة لحياة فاطمة الزّهراء (عليها السلام). فإنّها لم تكن تفصل بين هذه الجهات الثلاث. يتصوّر بعض النّاس أنّ الإنسان عندما يكون مشغولًا بالعبادة، وهو من أهل الذّكر، لا يُمكنه أن يكون سياسيًّا، أو يتصوّر بعض آخر أنّ أهل السياسة، سواء أمن الرجال كانوا أم من النساء، إذا كانوا حاضرين في ميدان الجهاد في سبيل الله بفاعليّة، فإذا كنّ من النساء، فلا يُمكنهنّ أن يكنّ ربّات منزل يؤدّين وظائف الأمومة والزوجيّة والخدمة، وإذا كانوا رجالاً فلا يُمكنهم أن يكونوا أرباب منزل وأصحاب دكّان وحياة.
إنّهم يتصوّرون أنّ هذه تتنافى فيما بينها وتتعارض، في حين أنّ هذه الأمور الثلاثة لا تتنافى مع بعضها، ولا توجد ضدّية بينها من وجهة نظر الإسلام. ففي شخصيّة الإنسان الكامل، تكون هذه الأمور معينة لبعضها.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية