الصحابي الجليل عمار بن ياسر شهيد وابن شهيد وشهيدة، صاحب شخصية فذة في تأريخ الإسلام يصعب على المرء الإحاطة بعمق أهدافها وله مكانة عظيمة اتفقت عليها الكلمة وشهد له من تابعه وخالفه بالفضل وسمو الأخلاق والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الخصال الحميدة.
ويكفينا ما قاله الرسول الأكرم صلى الله عليه واله في حقه: “ما لهم ولعمّار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار” إن عماراً جلدة ما بين عيني وأنفي. ومما جاء في وصفه: أنه طويل الصمت كأنما تحدثه الملائكة، سديد الرأي لا يخدع عن الصواب، راجح العقل، زكي النفس، سخيّ اليد، هيّاب للحق، جري ء به لا يلوى فيه ولا يصرف عنه، تحلّى بأرفع خصال الرجولة فكان فيه عقل ونبل ومروءة وبعد نظر إلى جانب القوة والشجاعة.
وهذه السجايا هي التي مهّدت له وساعدته ليصاحب النبي الأكرم صلى الله عليه واله وكان عمار في تجواله مع النبي في بطاح مكة وشعابها وبين الصفا والمروة وحول البيت يصغي مسامع قلبه إلى أحاديثه صلى الله عليه واله حتى وصلت مكانته الخاصة لدى النبي إلى حد جعله أميناً على شؤونه الخاصة، يودع لديه بعض أسراره وكان الوسيط في زواجه صلى الله عليه واله من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها حينما جاءت أختها هالة فقالت: يا عمار أما لصاحبك حاجة في خديجة؟
عمار في مدرسة التضحية
ينتمي عمار إلى عائلة فريدة في تضحياتها وتحملها ثم في شهادتها نهاية المطاف فإن أمه سمية كانت تُعذَّبُ في نفسها وفي زوجها ياسر، وفي ولدها عمار، بل كان كل واحدٍ من هذه العائلة يلاقي نفس الدور من طاغوت مكة أبي جهل.. لقد كان نصيب ال ياسر من تلك المعاناة الحصة الكبرى والحظ الأوفر.
كانت سمية أول شهيدة في الإسلام، عجوزاً ضعيفةً وقعت في براثن وحش كاسر، إلا أن نفسها كانت أصلب من الحديد، وأقوى من السياط، تواجه الحقد الأعمى لهباً يتمدد على جسدها الطاهر بإيمان قوي وعقيدة راسخة مما جعل طاغوت مكة أبا جهل يفقد صوابه.. لقد أراد أن يسمع منها ما يكرهه قلبها.. أن تنال من محمدٍ ودينه.. ولكنها أسمعته ما يكره، فعمد إلى حربةٍ كانت بين يديه، فوجأها في قلبها، فكانت أول شهيدة في الإسلام.
وواجه زوجها ياسر الشيخ الهرم عين المصير فأمسى نجماً متألقاً في سماء الشهادة.
وبين الوالد والأم كانت محنة عمّار الابن تتفاقم وتزداد حتى كأنه يتلقى صورة تعذيبهما نصب عينيه ونبأ استشهادهما عذاباً متجدداً عليه يضاعف الامه ومحنه.
بالإضافة إلى هذا فإنهم لم يتركوا وسيلةً من وسائل القهر والتعذيب إلا استعملوها معه، فتارةً يسحبونه على الرمضاء المحرقة مجرداً من ثيابه، ثم يضعون صخرةً كبيرةً على صدره، فإن يئسوا منه لجأوا إلى تغريقه بالماء بغمس وجهه ورأسه حتى يختنق أو يشرف على الموت، فكان لا يدري بما يقول!
قال بعضهم وقد رأى عماراً متجرداً في سراويل: نظرت إلى ظهره فيه حبط كثير، فقلت: ما هذا؟! قال: “هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة”.
بين النبي صلى الله عليه واله وعمّار
صدق رسول الله صلى الله عليه واله حينما قال لعمّار: تقتلك الفئة الباغية… واخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن وفي موضع اخر قال صلى الله عليه واله : عمار على الحق حتى يقتل بين فئتين إحدى الفئتين على سبيلي وسنتي والأخرى مارقة عن الدين خارجة عنه ففي يوم من أيام صفين استسقى عمار وقد اشتد به العطش، فأتته امرأة طويلة البدن ومعها إداوة وفيها ضياح من لبن فقال حين شرب: الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على الحق وإنهم على الباطل ثم حمل عليه ابن حوّى وأبو العادية فطعنه أبو العادية واحتز رأسه ابن حوّى لتكمل كوكبة الشهادة من ال ياسر باستشهاد الابن بعد الأم والأب. ويبقى تاريخ الإسلام المجيد مشرقاً من دمائهم الطاهرة .