وبرزت هنا الصحوة بشكل آخر حيث ظهرت الصحوة على يد الإخوان المسلمين عبر النظام التعليمي، والذي أبقى العقيدة امتيازا للوهابيين. أي أن تدريس العقيدة حكرا فقط على الوهابيين.سادت الميول القطبية في السعودية على الميول البنائية، وهو ما يدلل على تأثير المدرسة الوهابية في سلفنة الإخوان تدريجيا، ”فهناك ترابط إيديولوجي وثيق بين الفكر القطبي والمدرسة الوهابية، بما أنهما يستندان إلى الصراع المانوي نفسه بين الإسلام والجاهلية، والسبب الآخر لغلبة أفكار سيد قطب هو أن الإخوان الذين وفدوا جماعات إلى المملكة العربية السعودية في سبعينيات القرن الماضي وفاقوا الإخوان الذين سبقوهم عددا، كانوا على اتصال بأوساط القطبيين غالبا“.
لكن أيضا كانت هجرة الإخوان الأولى قد وقعت في وقت بروز نجم سيد قطب وبروز أفكاره، وتبدل الحالة السياسية التي كانت تحارب الإخوان المسلمين، فمن الطبيعي أن تسود في ظل هذه الظروف السياسية الضاغطة أفكار سيد قطب، مع وجود فاصل زمني طويل عن أفكار حسن البنا، وتبدل الظروف السياسية والاجتماعية التي عاصرت حسن البنا ونشأة أفكاره الصحوية.
وبعد ذلك قام محمد قطب بإظهار بعض مؤلفات سيد قطب في السعودية، وهي تلك المؤلفات التي لا تثير سخط السلطة، ولا تسبب حساسية مع المؤسسة الدينية، فكانت أبرز المؤلفات التي أشهرها هي في ظلال القرآن وكتاب معالم في الطريق، وتم تنقيح كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام بعد حذف المصطلحات والفقرات الأكثر إشكالية. راجع كتاب عبد الله الظفيري ملحوظات وتنبيهات على فتوى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في دفاعه عن حسن البنا وسيد قطب و عبد الرحمن عبد الخالق.
وهنا لا يفوتني أن أذكر أن المدرسة الوهابية تنقسم إلى الوهابية الإقصائية والوهابية الاحتوائية، وكان التقسيم قائم على أساس موقف الوهابية من الجنود المصريين الذين غزوا السعودية، فأفتى البعض بضرورة قتلهم لأنهم خرجوا عن الإسلام، بينما آخرين اعتبروهم مسلمين لكنهم ضلوا ويمكن التعايش معهم ونصحهم محاولة هدايتهم أو إتقائهم وعدم الأكل مما يأكلون.
وقد كانت الوهابية الإحيائية هي المدرسة الأكثر انتشارا لأن الملك السعودي استعان بهم لضرورات سياسية فرضت نفسها، وأقصى الوهابية الإقصائية.
وبذلك نرى كيف تطور مفهوم الصحوة وتبدلت دلالاته وفقا لتبدل الإيديولوجيا التي فرضت نفسها نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة.
ولكن كيف تأسس فرع الإخوان المسلمين في الكويت؟
فرت كثير من الأسر النجدية نتيجة المجاعات والحروب إلى الزبير في جنوب البصرة، وفي أواخر القرن التاسع عشر أصبحت منطقة الزبير قاعدة للوهابيين الاحتوائية الذين اضطرهم هيمنة الإقصائيين في البداية على المجال الديني السعودي إلى الاستقرار فيها،. وكان في هذه المدينة قبر لولي من أولياء لله هو قبر لصحابة النبي ص الزبير، وهو ما لا يمكن التعايش معه إلا من قبل الوهابية الاحتوائية كون الإقصائية تعتبر التبرك بقبور الأولياء شرك وتعمد لهدم أي قبر يمكن التبرك به . ومع ظهور أولى علامات الثروة النفطية بدأت هذه الجماعات بالهجرة من الزبير إلى كل من الكويت والسعودية، وهجرة إخوان الزبير كان لها أثرا كبيرا في كل من السعودية والكويت.
ففي الكويت قاموا بدور أساس في تأسيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في سنة ١٩٦٢م،فكانت الجهاز الرئيس في الإخوان المسلمين الكويتيين وحامل اسم الجمعية نفسها التي كانوا قد أسسوها في الزبير قبل عشر سنين. مقابلة مع اسماعيل الشطي.
وبعد هذا السرد التاريخي منذ تأسيس حركة الصحوة على يد جمال الدين الأفغاني، إلى مدرسة محمد عبده ومحمد رشيد رضا، إلى حسن البنا ومن ثم سيد قطب ومن ثم محمد قطب والمدرسة الوهابية بشقيها نلاحظ كيف اختلفت دلالات مفهوم الصحوة من حقبة زمنية إلى أخرى، باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية واختلاف زوايا النظر والأهداف الكبرى وبالتالي اختلاف الأولويات والاستراتيجيات التي تنتج حراكات اجتماعية وسياسية مختلفة.
وقد تمايزت دلالات المفهوم بين الاعتدال تارة والتطرف تارة أخرى متأثرة بالبيئة التي نشأ بها المفهوم.
فالبيئة التي نشأ بها مفهوم الصحوة اختلفت من الأفغاني إلى محمد قطب وإخوان الزبير، وبالتالي اختلف الوعاء الثقافي والفكري الذي نشأ به المفهوم، وهو ما يلحظ جليا كاختلاف اليوم بين إخوان مصر وتونس وإخوان الخليج.
إلا أن العنوان الرئيس كان للجميع هو إحياء القيم والمفاهيم الإسلامية وأسلمة القوانين ليحكم الإسلام كدين وشريعة الشعوب، وتتخلص هذه الشعوب من الجهل والإمبريالية الغربية.
لكن الآليات والاستراتيجيات في تطبيق هذا العنوان العامل الشامل اختلفت باختلاف دلالات مفهوم الصحوة ومدارسه.
ومازال مفهوم الصحوة تداولي في العالم العربي والإسلامي وتتبدل دلالاته وطرق تطبيقه اليوم من قطر إلى قطر، ومن جماعة إلى جماعة، مع ثبات العنوان العام لجميع حركات الصحوة عبر التاريخ، وهو عنوان شامل وعام يحمل في أحشائه كثير من التيارات والتفسيرات والمدارس الفكرية والإيديولوجية.
وهو ما يطرح سؤال : أي صحوة نريد؟ وأي منهج يناسب اليوم قيم التعايش والتسامح والمواطنة والحريات والأنظمة الدستورية ؟
فكما تطور مفهوم الصحوة وفق تطورات المعطيات السياسية والاجتماعية، فهو بحاجة ماسة اليوم لحركة تطور في الدلالات تتناسب والقيم العالمية الجديدة، والتطورات السياسية سواء في المصطلحات المتداولة أو في الممارسات السياسية الجديدة في عالم باتت شعوبه تطمح لمزيد من الحريات والعدالة والكرامة، ولقيم التعايش والتسامح بعد أن طحنتها الحروب باسم الدين، و أنهكها الاستبداد والفقر والجهل بفتاوى دينية عنوانها طاعة الولي.