مكانة الطب في الدين الإسلامي:
لمهنة الطب مكانة محترمة في نظر الإسلام، بل مطلق الديانات السماوية، لما تحمله من غرض وغاية أساس في عملها، وهي وقاية النفس البشرية ودفع الأمراض والآلام عنها ووصف العلاج النافع لها وإجراء كلّ ما يتطلب للحفاظ عليها.
ولعمري أنَّ هذا الغرض بمكان من الاحترام والقداسة لتعلّقه بالنفس الإنسانية التي كرَّمها الله تعالى وفضَّلها على كثير من مخلوقاته على عظم خلقته وكمال مشيئته .
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الاسراء: 71
ولا شك أنَّ مهنة الطب تشكّل مقدّمة مهمّة من مقدّمات حفظ النفس وأحيائها ودفع الهلاك عنها بأذن الله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة :32
هكذا أراد الله تبارك وتعالى لهذه المهنة الجليلة من العلو والرفعة من بين بقية المهن والصناعات، وقد خلق الله الانسان، وهو أعلم بما يقتضيه جسده من ضعف ووهن تجاه متغيّرات الحياة المختلفة، فالمرض والجرح والكسر والتلف وارد على كل حال
لذا ألهم الله العقل الإنساني، وسخَّر له سبل المعرفة للوصول الى أقصى درجات العلم والطب الحديث تماشيا مع عدالته وحكمته في ادارة شؤون مملكته تبارك الله أحسن الخالقين
عن الإمام الرضا (عليه السلام): (إنَّ الله عز وجل لم يبتل البدن بداء؛ حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء ، وتدبير ونعت)
والدين الإسلامي يرى أن من أعظم النعم الإلهية هي صحة البدن، وأكبر من ذلك صحة الروح، وكذلك فان من أخطر البلايا مرض البدن، والأخطر منه مرض الروح والقلب
ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنَّ من البلاء الفاقة، وأشدٌّ من ذلك مرض البدن، وأشدُّ من ذلك مرض القلب، وإنَّ من النعم سعة المال، وأفضل من ذلك صحة البدن، وأفضل من ذلك تقوى القلوب).
مفهوم الوقاية والطب الوقائي في أدلة التشريع:
قد اتفقت كلمة العقلاء على أنّ الوقاية خير من العلاج، وأنّ درهم وقاية؛ خير من قنطار علاج، وهذا ما أقره العقل مقدمة للزوم دفع الضرر المحتمل.
ونعني بمفهوم الوقاية الصحيّة في الإسلام تلك الأساليب الشرعيّة والعلميّة التي أشارت إليها أدلة التشريع من القرآن الكريم والسنّة المباركة، لحفظ النّاس من شرور الأمراض والأوبئة، وتحقيق السلامة الكافية لهم من أيّ مرض يمكّن أن ينزل بهم، ويسبّب لهم المعاناة والآلام.
ومن هنا أهتم الدين الإسلامي بالوقاية من الأمراض الجسدية والروحية، وهذا ما نراه واضحاً في الأحكام الإلهية التشريعية، قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث) الأعراف :157، فكلُّ ما يشكّل خطراً وضرراً على بدن الانسان وبعده الروحي، فهو حرام أو مكروه، وكلُّ ما فيه صلاح وإفادة لسلامة بدنه المادي والمعنوي، فهو واجب أو راجح، وكلُّ ما تساوى فيه الأمران فهو مباح، وقد انعكس الطب الوقائي في النصوص الشرعية بشكل واضح وبيّن؛ حتى حفلت الموسوعات الحديثية بالعشرات منها، بل ألفت كتب متعددة في الطب مليئة بأحاديث المعصومين (عليهم السلام ) أو منسوبة إليهم، كالطب النبوي، والطب العلوي، وطب الإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام )، وغير ذلك.
ولا يسعنا هنا إلّا أن نشير الى نماذج بسيطة من تلك النصوص:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنَّ في القرآن لآية تجمع الطب كلَّه، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)) ، وعنه (عليه السلام): (أربعة خصال تستغني بها عن الطبيب: لا تجلس على الطعام إلَّا وانت جائع، ولا تقم عن الطعام إلَّا وانت تشتهيه، وجوّد المضغ، واذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطِّبِّ)
وفي الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) رويَّ: (إذا جُعت فكل، وإذا عَطشتَ فاشرب، وإذا هاج بك البولُ فبُل، ولا تجامع إلّا من حاجة، وإذا نَعستَ فنم، فإنَّ ذلك مصحَّةٌ للبدن)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (صوموا تصحوا) ، و (سافروا تصحوا وتسلموا) ، وعن الإمام السجاد (عليه السلام): (حجوا واعتمروا تصح ابدانكم، وتتسع أرزاقكم، وتكفون مؤونات عيالكم)
ومن ذلك العشرات من الأحاديث الإرشادية للنظافة والتطهير واختيار الطعام الصحي وطريقة تناوله، ومن شاء وأحبّ أن تتم له الفائدة فليراجع الموسوعات الحديثية الحاوية لتلك النصوص الحديثية.
ومن هنا: نحن نوجّه الدعوة الى أهل الاختصاص في المجال الطبي من الأطباء والطبيبات ونحوهم، أن لا تخلوا مكتباتهم العلمية من هذه الموسوعات الحديثية، وأن يحاولوا قدر الإمكان الاطلاع عليها والاستفادة منها، ولعلّهم أقدر على فهم بعدها الصحي والوقائي، وتساعدهم في التوصّل لبعض الحقائق الطبية التي تكون ساحتها التجربة والفحوصات السريرية والمختبرية ونحو ذلك.
ومع شدة هذا الاهتمام الديني بالطب الوقائي، إلّا أنّه تبقى فلسفة الدين لها مجالها الخاص، فليس من مجالها الخوض في مهنة الطب، أو التصدّي المباشر لها، وإنما هذا شأن الطب والأطباء، لذا جعلت النصوص الشرعية علم الدين قسيما لعلم الطب، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله): (العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يستغني أهل كلّ بلدٍ عن ثلاثة ـ يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عُدموا ذلك كانوا هَمَجا ـ : فقيهٌ عالمٌ ورعٌ، وأميرٌ خيّرٌ مطاعٌ، وطبيبٌ بصيرٌ ثقةٌ).