عرفنا في الحلقة السابقة خصوصيات واقعة الغدير ليساعدنا ذلك في البحث عن وجود أو عدم وجود سلوك مماثل في الأمم السابقة.
أول نقل وصاية يمكننا تتبعها لتوفر النصوص عليها بوضوح من مصادر المسلمين (القرآن الكريم والروايات) بما لا حاجة معها لمصدر آخر ولاشتهارها ووضوحها هي قصة نقل الوصاية من يعقوب (عليه السلام) إلى يوسف (عليه السلام)، ورغم إن تفاصيلها معروفة للجميع ولكن لم أجد من يقارنها بواقعة الغدير رغم وجود موارد كثيرة للتشابه بينهما منها:
1- إن يوسف (عليه السلام) كان هو المفضل عند أبيه بين أخوته الذي استشعروا من البداية إنه سيكون وصيه من بعده ” إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” (يوسف: الآية 8)، وفي الروايات نصوص كثيرة تشير إلى معانٍ مشابهة بخصوص أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ طفولته وطوال مسيرته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
2- تحسس أخوة يوسف (عليه السلام) من هذا القرب وسعيهم للبحث عن حل لذلك بحسب تصورهم.
” اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ” (يوسف: الآية9-10)، ومثال ذلك مع علي (عليه السلام) في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعده واضح.
3- ورود البشارة بذلك من الله سبحانه وتعالى: ” إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” (يوسف: الآية 4).
وورد النصوص الكثيرة بشأن ذلك بحق عليّ (عليه السلام) في مناسبات كثيرة.
4- تخوف النبي يعقوب (عليه السلام) من ردة فعل أخوة يوسف (عليه السلام): ” قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (يوسف: الآية 5).
ومثله كان تخوف النبي (صلى الله عليه وآله): ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” (المائدة: الآية 67).
5- الوعد الإلهي بالنصرة: ” وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (يوسف: الآية 6).
” فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”(يوسف: الآية 15).
ومثله وما وعد الله تعالى به نبيه الخاتم: “وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” (المائدة: من الآية 67).
6- الصبر الجميل لمواجهة الأمر: ” قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ” (يوسف: من الآية 18).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته المسماة الشقشقية: ” فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً” (نهج البلاغة: الخطبة 3).
7- البئر “الجب” والغدير، والأول شهد جريمة الغدر بيوسف (عليه السلام) من أخوته والثاني شهد غدراً مماثلاً بالتنكر لما ورد في إعلان الولاية في الخطبة لاحقاً.
8- طريقة إعلان الولاية العلنية: ” وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (يوسف: الآية 100).
وما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غدير خم وأمام أكبر جمع من المسلمين.
9- المدة بين تغييب يوسف (عليه السلام) من أخوته عن أبيه إلى حين اللقاء به وتحقق الوعد الإلهي، لم ترد في القرآن الكريم آية عن ذلك ولم يرد في مصادر العامة شيء عن ذلك سوى بعض المنقول بحسب قولهم عن أهل الكتاب مما لا يمكن الاعتماد عليه ولكن بحسب المنقول عن مصادر الشيعة فإنه بحدود 20 سنة: ” عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب (عليه السلام) لبنيه: ” اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ” أكان يعلم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة، قال: نعم، قال: قلت: كيف علم؟ قال: إنه دعا في السحر وسأل الله عز وجل أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه بريال وهو ملك الموت، فقال له بريال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل أقبضها متفرقة روحا روحا، قال له: فأخبرني هل مر بك روح يوسف فيما مر بك؟ قال: لا فعلم يعقوب أنه حي فعند ذلك قال لولده: ” اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه”. (الكافي للشيخ الكليني ج8 ص199)
ومدة تغييب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ولاية أمر الأمة الظاهرية (11هـ إلى 34هـ) بحدود 24 سنة.
وبين القصتين موارد تشابه أخرى عدلنا عن ذكرها واكتفينا بهذه لوضوحها ورغبة في الاختصار.
رشيد السراي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية