تتغير الحالة النفسية لدى المغني ومستمع الغناء إلى حالة أقرب إلى الحزن، مع التذاذ نفسي، وهو حزن بلا هدف ولا عبرة، ويعبر عن اضطراب داخلي نتيجة الابتعاد عن الله عز وجل، ويؤدي إلى ثقل معنوي ووهن في النفس، وهي حالة تقعد الإنسان عن التوبة وتجعله مستقراً في الشقاء وملتذاً به والعياذ بالله.
وبحسب فهمي فإنها معنى ما ورد من كون الغناء نَوح إبليس على الجنة، أي نياحته وحزنه عند الابتعاد عن رحمة الله، مع الإصرار على مخالفته، فتنشأ في نفسه هذه الحالة وتظهر في الذين يستمعون إلى الغناء أو ينساقون مع الألحان ويطربون معها.
ففي الخصال، باب: الأربعمائة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (الغناء نَوح إبليس على الجنة).
وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى [وأول] من حدا: قال: لما أكل من الشجرة تغنى، ولما أهبط حدا به، فلما استقر على الأرض ناح فادكر ما في الجنة).
فتغنّي إبليس لما أكل آدم من الشجرة لا أفهم منه الأداء الخارجي للصوت بل هو الميل النفسي الذي يحصل لدى مستمع الغناء، فيوهن عزمه ويفضل الدنيا (الأكل من الشجرة) على الثبات على عهد الله، والحداء به ليجعله مستقراً في الهبوط.
والحداء هو نوع من ترجيل الصوت بطريقة يعرفها أهل البدو ورعاة الإبل، يرون أنه يسوقون إبلهم بها، وقيل بأنه مستثنى من حرمة الغناء، ولا دليل عليه إلا رواية عامية (أنه كان واحدٌ من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفعل الحداء بحضرته وهو يستمع، وبعد ذلك ترحم عليه، وعي غير صالحة للحجية) (مستند النراقي: 14/ 144) ومعارضة لرواية جابر. وللعياشي إلى جابر طرق متعددة كما كتاب المعاني، ولا نحرز أيها مستنده في نقل هذه الرواية ولكنها على كل حال أقرب إلى الاعتبار من رواية البخاري.
ولعل من قال باستثناء الحداء يرى أنها ممارسة عملية يحتاجها البدو لسوق الإبل أو غرض عقلائي، وهو لا يصلح للاحتجاج كبرى وصغرى، وإنما هو هواية يشغل الرعاة بها أنفسهم في أثناء سوق الإبل لمسافات طويلة ومملة.
فلا دليل على استثناء الحداء من الغناء، الأمر الذي جُعل مفتاحاً لتخصيص حرمة الغناء وفتح باب الاستثناء منه.
عماد علي الهلالي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية