إنّ القراءة لها تأثير كبير على حياة الإنسان ومعرفته وثقافته العامّة، فيمكنك الآن تخيل كم المعلومات الهائل الذي يمكنك أن تحصله من خلال قراءة عشر صفحات يومياً من كتاب قد اخترته مسبقاً، فلاشك أنّك بهذا ترتدي نظارة تساعدك على رؤية أوضح للحياة.
ولعلّ من أجمل ما قيل في القراءة ما كتبته مؤسسة «سكوت فورسمان»(Scott Foresman) في معرض الكتاب الدولي للقراءة الذي عقد في «سانتياجو» العام 1997م تحت عنوان «سوف أغير العالم»:
(سوف أغير العالم بطفل في وقت ما، سوف أعطي هذا الطفل هدية لا تنتهي لذتها أبداً، هدية تجعل العالم بين يديه وتجعله أثرى وأغنى، هديتي هي القراءة التي سوف تفتح العينين وتوقظ الأحلام بالقصص التي تجعل الأطفال يشعرون وينمون ويفكرون، لا شيء يوقفني، ولن أفكر في ذلك؛ لأنّ قلبي يعرف معنى القراءة، وأي قوة هي).
الأسئلة الأولية للقراءة الفعّالة:
إذا كنت قد علمت أهمية القراءة وأردت أن تشرع في هذه العملية النافعة، فلابد لك أن تسأل نفسك بعض الأسئلة التي تساعدك على الاستفادة القصوى من هذه العملية وتحقيق القراءة الفعّالة.
أولًا ـ ماذا أقرأ؟
قبل بداية القراءة لابد أن تحدد ما الذي سوف تقرأه بالتحديد؟ وهل هو الكتاب الأفضل في هذا المجال والمناسب لفهمي للموضوع؟ وما الغرض من قراءة هذه الصفحات؟ هل أقرأ لمجرد هواية القراءة؟ أم أنّني أريد أن أخرج بفهم الصورة الإجمالية للكتاب والهدف الذي كتب من أجله؟
لذا؛ في البداية قم بتحديد الموضوع الذي تود قراءته بدقة، ثم اطلع على فهارس الكُتُب التي تتحدث في نطاق الموضوع مباشرة، وحدد أي هذه الكتب سوف تقرأ.
بعدها لابد لك أن تحدد الغرض من القراءة، هل هذه قراءة لمواد أدرسها في مجال دراستي؟ أم هي مجرد قراءة لزيادة الثقافة العامة؟ وهل أهتم بأدق التفاصيل؟ أم عليّ الوصول إلى المعنى العام والإجمالي للكتاب فقط؟
وبتحديدك ماذا تقرأ وغرض هذه القراءة، تستطيع أن تحدد كيف أقرأ هذا الكتاب؟
ثانياً ـ كيف أقرأ؟
إذا استطعت تحديد الغرض من قراءتك بصورة دقيقة فإنّك الآن على مشارف أن تمسك بالكتاب وتبدأ قراءته، وهنا يأتي السؤال كيف أقرأ؟
إنّنا لا نعني بهذا السؤال أن تقرأ كلّ حرف على حده مع تشكيله ثم تبدأ في تجميع هذه الأحرف المشكولة لتكون لك الكلمة المطلوبة، ومن مجموعة الكلمات تتكون العبارة ذات المعنى، ولكن المقصود أن نتعرّف على أسلوب القراءة، سواءً القراءة السريعة التي ترسم الصورة الكلية أم هذه القراءة المتأنية التي تستخرج منها أدق التفاصيل.
ومن هنا نخلص أنّ هناك أسلوبين للقراءة هما:
1- القراءة السريعة.
2- القراءة المتأنية.
1- القراءة السريعة: والتي أصبحت من الأمور المطلوبة في عصرنا الحاضر وتوفر لنا الكثير من الوقت.
وتستطيع أن تزيد من سرعة قراءتك ببذل القليل من الجهد حيث أثبتت الأبحاث أنّ الشخص العادي يستطيع أن يحدث تحسناً يتراوح فيما بين 50 إلى 100 % في سرعة القراءة دون أن يفقد شيئاً من فهمه للمعاني التي يقرؤها.
وثبت أيضاً عدم صحّة الاعتقاد الشائع بأنّ مَن يقرأ ببطء يفهم أكثر، بل على العكس يتفوّق سريع القراءة عليه بأنّه يحصل على أفكار ومعلومات أكثر ممن يقرأ ببطء في وقت محدد، وهناك بعض التدريبات التي تعينك على القراءة السريعة:
- احرص على إجبار نفسك على القراءة السريعة، ابذل مجهوداً كبيراً في هذا الصدد، وقد لا تفهم كلّ ما تقرأ ولكن بالتمرين اليومي ستتعلم بسرعة أن تلم الأفكار بطريقة خاطفة، واقرأ الموضوع نفسه بسرعة مرتين أو ثلاث إذا لزم الأمر للحصول على الأفكار الرئيسة وتدوينها، وبعد ذلك اقرأ بعناية للوقوف على التفاصيل.
- اقرأ العبارات والجمل ولا تقرأ الكلمات، فمن الخطأ أن تقرأ مثل الكثير من الناس الذين ينطقون بالكلمات بتحريك شفاههم، بل تعلم أن تقفز من عبارة إلى أخرى ومن جملة إلى جملة، وثق أنّ الجمل التالية ستوضح النقاط التي تظل غامضة، أي اقرأ للوقوف على المعاني لا الكلمات.
- اختبر نفسك من حين لآخر لترى مدى ما أحرزته من تقدم في سرعة القراءة وذلك بحساب عدد الكلمات التي تستطيع قراءتها في الدقيقة الواحدة والتي يمكنك حسابها من المعادلة التالية:
سرعة القراءة (أو عدد الكلمات في الدقيقة الواحدة) = (عدد الكلمات في السطر الواحد) ×(عدد الأسطر في الصفحة)× (عدد الصفحات المقروءة) ÷ (الوقت المستغرق في القراءة).
2- القراءة المتأنية: وهذا هو الأسلوب الآخر في القراءة، وهو يعتمد على قراءة كلّ الكلمات قراءة متأنية والتركيز فيها، وهذه القراءة يمكننا أن نسميها بالقراءة التحليلية، التي يستخدمها المحللون في تحليل المقالات المختلفة، أو قد تستخدمها أنت في بعض الكتب التي تمثل لديك أهمية كبيرة؛ كالتي تتحدث عن أهداف حياتك ومنهجك.
ثالثاً ـ وماذا بعد القراءة؟
وفي هذه المرحلة لا يكون السؤال كم من الكتب قرأت؟ لكن كم من المعلومات تتذكر؟ فالهدف الرئيسي من القراءة هو زيادة قدر المعلومات الذي تملكه، وبعد قراءة أي كتاب عليك بأمرين في غاية الأهمية:
1- الفكرة الرئيسية للكتاب لابد أن تظل حاضرة في ذهنك طوال الوقت حتى ولو بعد قراءة الكتاب بعشرات السنين.
2- المعلومات التفصيلية لابد أن تدونها في مفكرتك أو باستخدام الخرائط الذهنية.
وبهذه الطرق يمكنك أن تكون مكتبة كاملة في مفكرتك تحذف منها المعلومات المكررة وتضم فيها الأفكار الرئيسية وترجع إليها متى دعت الحاجة إلى ذلك.
اقرأ القراءة الصحيحة:
كان رجلًا لامعاً في مجال أعمال البرمجيات، وعندما ورث مبلغاً كبيراً من المال قرر أن يستثمره في شركة البرمجيات التي يملكها، ولكي يبني قراره على أُسس صحيحة قرأ تقارير تقييم الشركة منذ افتتاحها، ووجد أنّ التقارير جميعها تشير إلى جني الشركة لأرباح كبيرة بمعدلات تصاعدية، فقرر استثمار جميع أمواله فيها، وبعد 18 شهر من العمل المضني كانت النهاية أكثر من مؤلمة حينما خسر ذاك الرجل أمواله كلّها!
ترى ما سبب هذه الخسارة التي قد يعتبرها البعض غير مبررة؟ في الحقيقة لقد كانت قراءة ذلك الرجل للتقارير المختلفة بدون تدوين بعض المعلومات الهامة هي سبب تلك الخسارة الفادحة، ففي أحد التقارير كان مكتوباً أنّ هناك شركات بدأت تستحدث أنظمة تشغيل جديدة وهي أنظمة «الويندوز»Windows بينما كانت شركته لا تزال تستحدث النظام الذي أنتجته من قبل ألا وهو نظام «الدوس»Dos الذي كانت الشركة قد جلبت من وراءه الكثير من الأرباح.
إنّ إغفال مثل هذه المعلومة وعدم تدوينها إنما يدل على الاستهتار بقراءة هذه التقارير والمعلومات التي بداخلها، وهو ما سبب هذه الكارثة الكبيرة.
اقرأ بفاعلية:
ما ذكرناه من قبل إنما هو نبذة مختصرة عن القراءة الفعّالة، وبالقراءة أكثر وأكثر عن الموضوع يمكنك أن تكتسب المزيد، وعموماً فإنّ أهم ما يمكن أن يساعدك في اكتساب هذه المهارة هو القراءة المستمرة وكثرة الاطلاع. ►
أهم المراجع:
1- تعلّم كيف تدرس، ديريك رونتري.
2- كيف تضاعف قدراتك الذهنية، جين ماري ستاين.
3- مهارات دراسية، د. نجيب الرفاعي.
4- القراءة السريعة، توني بوزان.