إن مفهوم القيادة من المفاهيم التي تعبر عن بُعد كمالي وجمالي في كل إنسان وكل يسعى لكي يكون ذلك المصداق الأكمل، ولكن نحتاج إلى تبيان مفهوم القيادة وكيف أن الإمام الكاظم (ع) كان الأنموذج الأتم لذلك.
والقائد لغة: هو من يقود ويسير بالجيش, ويقال قاد الجيش ونحوه أي ترأسه وتدّبر أمره.
واصطلاحاً: فله عدة تعريفات منها أن القائد من يستطيع التأثير في الناس ليحققوا هدفهم، أو هو من يأخذ الناس إلى حيث يريدون الذهاب.
ولكي يكون القائد ناجحاً، لابد أن يكون قادراً على الاتصال والتواصل بطريقة جيدة وفعالة مع الآخرين، وأن تكون لديه القدرة على تشكيل علاقة مباشرة مع كل فرد في المؤسسة , ولديه خبرة إدارية وشخصية متميزة ليتسنن هرم القيادة والريادة.
لو رجعنا إلى سيرة الإمام الكاظم (ع) لوجدناه كان قائداً للأمة ناجحاً ومقتدراً ومتواصلاً ومتفاعلاً رغم كل الضغوطات التي مارسها بنو العباس عليه، ولكن ما الذي جعل قيادة الإمام للأمة استثنائية ومؤثرة رغم الحبس والحصار عليه؟.
وكيف كان يقود الناس وهو في السجن؟.
نعم .. رغم كل الضغوطات والعقبات التي واجهت إمامنا الكاظم (ع) إلا أنه لم يتخلَ عن دوره الريادي في قيادة القاعدة الجماهيرية، رافضاً بذلك الظلم والاضطهاد التي امتازت بها سياسة السلطة الظالمة الحاكمة.
ومن هنا كان اتصال العلماء به من طريق خفي لينتهلوا من نمير علومه ومنهم موسى بن ابراهيم المروزي, وقد سمح له السندي بذلك لأنه كان معلما لولده, وقد ألف موسى بن إبراهيم كتاباً مما سمعه من الإمام.
كما اتصل به هند بن الحجاج وغيره من قادة الفكر الإسلامي, وكذلك ممن اتصل بالاإام (ع) أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهذا أحد نماذج التواصل الكاظمي (ع) لرفد المجتمع بالعنصر الصالح في ساحة بناء الأمة.
ومن طرق تواصل الإمام (ع) مع الناس، هو إجابته على الفتاوى التي ترسل إليه، فقد كانت بعض الأقاليم الإسلامية التي تدين بالإمامة ترسل عنها مبعوثاً خاصاً للإمام (ع) حينما كان في سجن السندي فتزودّه بالفتاوى والرسائل, فكان (ع) يجيبهم عنها, وممن جاءه علي بن سويد فقد رأى الإمام وسلم إليه الكتب والفتاوى فأجابه (ع) عنها.
وهذا دور آخر كان يمارسه الإمام القائد رغم سجنه الظلوم، ودور آخر يمارسه الإمام (ع) في قيادة الأمة من خلال التفكير بقواعد الشيعة في المناطق الإسلامية لذا قام بتعيين جماعة من تلاميذه وأصحابه وكلاء له في بعض تلك المناطق، وأرجع إليهم شيعته لأخذ الاحكام الدينية منهم, كما وكلّهم في قبض الحقوق الشرعية لصرفها على الفقراء والبائسين من الشيعة، وإنفاقها في وجوه البر والخير، فقد نصب المفضّل بن عمر وكيلاً له في قبض الحقوق وأذن له في صرفها على مستحقيها.
وبذلك نرى رغم حبس الإمام والتضييق عليه، إلا انه مارس دوره في قيادة الناس وهدايتهم والأخذ بهم إلى الجادة الحقة, فلا نتصور بعد ذلك أن الإمام القائد كانت وظيفته وهو في السجن التفرغ لعبادة الله تعالى فقط, بل مارس دوره بأفضل وجه كما لو كان متواجداً فعلاً بين القاعدة الشعبية.
وهذا يدل على أن القائد الناجح هو من يمارس – بالإضافة إلى الاتصال بالله تعالى– دوره الاجتماعي الناجح في قيادة الإنسان والمجتمع لإيصالهم للهدف المنشود، وأن كان في أصعب الظروف وأقساها, وبذلك يختط لنا (ع) السير الإبداعي في طريق ذات الشوكة للحصول على النتائج الكبيرة.
ولذا فإن الشيعة الحقيقين لابد لهم من التأسي بالإمام الهمام في فكره وسلوكه وعطائه وقيادته، حتى يكونوا الزين المراد بوصيتهم عليهم السلام، فيتأثر الناس بهم من خلال انعكاس صورة المعصوم القيادية والحقيقية في مسيرتهم.
بقلم أم منتظر الكاظمي