كان شهيدنا الصدر الثاني (قدّس سرّه) تبعاً لكل أهل المعرفة، والمربين يؤكدون على أخذ العبرة والموعظة من كل ما يدور حولنا، وأن يفكر بمقدار ما فهمه، والإنسان لا يعدو فهمه، فإن أخذ العبرة والعظة من صفات أولي الألباب، وأصحاب القلوب السليمة.
ومن هنا ينبغي أن يكون الحديث مع الروح في وقت الابتلاء بفايروس كورونا، وأحب أن الخصه في نقاط منها:
_ بعد أن عرفنا جواز تعطيل فريضة الجمعة، فإنه ينبغي للمؤمن في ظهر كل جمعة، أن يُشعر قلبه الحسرة والألم؛ لأنه حُرم من
أداء هذه الطاعة العظيمة، وحرم من الثواب المترتّب على ذلك ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب، فيجلسون على أبواب المسجد على
كراسي من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام، فاذا خرج الإمام طووا صحفهم، ولا يهبطون في
شيء من الأيام إلاّ يوم الجمعة، يعني الملائكة المقربين»، وعن عبد الله بن بكير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليه
السلام): «ما من قدم سعت إلى الجمعة إلاّ حرم الله جسدها على النار».
_ الخوف من أن يكون ذلك سلباً للتوفيق، بعد أن سمعنا دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) يقول: «وَوَفِّقْنِي لِأَدَاءِ فَرْضِ الْجُمُعَاتِ وَمَا أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيهَا مِنَ الطَّاعَاتِ وَقَسَمْتَ لِأَهْلِهَا مِنَ الْعَطَاءِ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»،
فهذا بحد ذاته عقوبة إلهية أن تغلق في وجه الإنسان أبواب الطاعات، كهذه الصلاة، وزيارة المشاهد المشرفة، وزيارة بيت الله الحرام وقبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)،
فأي حرمان بعد هذا الحرمان، ناهيك عن أن المنع طال أغلب بلدان الأرض.
_ التفكير في السبب أو الأسباب التي لأجلها حرمنا الله من هذه الطاعات في هذا الوقت، والانتفاع من هذا الثواب العظيم خصوصاً
في هذا الشهر المبارك رجب المرجب، ونحن نسمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في دعاء كميل: «اللَّهُمَّ عَظُمَ بَلاَئِي وَأَفْرَطَ
بِي سُوءُ حَالِي وَقَصُرَتْ بِي أَعْمَالِي وَقَعَدَتْ بِي أَغْلاَلِي وَحَبَسَنِي عَنْ نَفْعِي بُعْدُ أَمَلِي وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيَا بِغُرُورِهَا وَنَفْسِي بِجِنَايَتِهَا».
_ الكل اليوم يراه يوصي بالتحفظ وأخذ الاحتياطات الصحية، فيجب تعقيم اليد والجسم والملابس والمأكل والمشرب من كل ما
يحتمل ملامسته لذلك الفايروس؛ لأنها توصيات عقلائية، والعقل يحكم بلزوم التحفظ لمنع الوقوع في الخطر الذي قد يودي بحياة
الإنسان.
ولكن هل تأملنا إلى أن هذا الفايروس لو كان ذنباً من الذنوب الصغيرة أو الكبيرة، هل كنّا نتحفظ عنه بهذه الطريقة، ألاّ يوجد خطر
محتمل وراء ارتكاب الذنب، ألم يأتي ١٢٤ ألف نبي يقولون إن هناك عذاب يوم القيامة على كل ذنب يرتكبه الإنسان، ألم يصرح
القرآن: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».
_ هل فكرنا من الذي خلق هذا الفايروس ـ لا من صنعه في المختبرات البيولوجية فلا شك أنه «صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ»، و «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ». فإذا كان هذا الفايروس من صنع الله، فإلى من ينبغي أن نفرّ ونلجأ ليقينا شرّه،
ألم تسمع الإمام السجاد (عليه السلام) في الدعاء المعروف بدعاء «يا مَنْ تُحَلُّ به عُقَدُ المَكارِهِ» يقول: «فَقَدْ ضِقْتُ لِما نَزَلَ بِي يا
رَبِّ ذَرْعاً، وَامْتَلأتُ بِحَمْلِ ما حَدَثَ عَلَيَّ هَمّاً، وَأَنْتَ القادِرُ عَلى كَشْفِ ما مُنِيتُ بِهِ، وَدَفْعِ ما وَقَعْتُ فِيهِ»،
فهذا البلاء يحتم علينا أن نفرّ إلى الله تعالى، ونعمل المراجعة لمّا قدمنا، ونكثر الاستغفار، لأنّه إذا توافانا الأجل، نكون ممن أدرك
التوبة والاستغفار، وإن بقيت الحياة، كان الاستغفار مفتاح عمر جديد، فضلاً عن أن الاستغفار هو الذي يرفع العذاب والبلاء
لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»،
وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): «فِي الأَرضِ أمانانِ: أنَا أمانٌ، وَالاِستِغفارُ أمانٌ، وأنَا مَذهوبٌ بي، ويَبقى أمانُ الاِستِغفارِ عِندَ كُلِّ حَدَثٍ وذَنب».
_ نرى اليوم العالم كلّه مرعوب من الفايروس الذي لا يُرى بالعين المجردة، حتى أن الدول العظمى والكبيرة بكل ما لها من
إمكانيات تبحث عن مخرج يميناً وشمالاً، فهل نظرنا كيف تصاغرت قدراتهم التي يعتبرنها عظيمة أمام عظمة الله تبارك وتعالى،
كيف أرعبهم بجندي لا يُرى، وهو يقول سبحانه: «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ».
هذه جنود الله التي لا يراها المستكبرون، ليقول للمؤمن لا تظن أن العظمة والقدرة بيد هذا الإنسان أو هذه الجهة أو هذا الحزب أو هذه الدولة، الكل تحت سيطرة الله سبحانه، وهذا ما يدعونا أن نلتفت إلى نعمت الإيمان التي أراد الآخرون أن يسلبونا إياها بالإلحاد، وانكار الخالق العظيم، «فالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنَازِعٌ يُعَادِلُهُ وَلَا شَبِيهٌ يُشَاكِلُهُ وَلَا ظَهِيرٌ يُعَاضِدُهُ قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الْأَعِزَّاءَ وَتَوَاضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَمَاءُ فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مَا يَشَاءُ».
فنسأل الله التوبة، والغوث بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أن يجعل قلوبنا متعلقة به لا بغيره، ويرزقنا نظرة رحيمة من صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)، وأن ينجي به المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها بلطفه ورحمته إن سميع مجيب.