لقد كان من أهم أهداف الصدر ومرجعيته الواعدة، هو خلق المرجعية البديلة من رحم مدرسته.. وبعد رحيله أضاف الكثير من الناس منقصة جديدة إلى قائمة ما افتري على تلك الحركة.. وهي كون مرجعيته (مرجعية بتراء) لم ولن يتاح لها أن تنجب مرجعية من داخل رحمها الحوزوي..
فالصدر كان يراهن على استمرار حركته كمرجعية، لاستمرار وجود المعادل النوعي المرجعي في قبال الأسلوب الحوزوي الآخر.. وراهن آخرون صراحة على عدم إمكان ذلك، فمرجعية الصدر عندهم بتراء لا تملك أدوات إيجاد الأذرع المطلوبة للمرجعية المستقبلية.
ووقع آخرون من أبناء نفس مرجعية الصدر في وهم من نوع آخر.. فذهبوا إلى مرجعيات ليست من رحم تلك المرجعية، وهو خلاف ما كان يربو إليه الصدر حركياً.
بل ووقع آخرون بفخ يمكن أن نقول أنه مشابه للفخ الذي وقع فيه الواقفة بعد الإمام الكاظم عليه السلام؛ مع الفارق الواضح في تشبيهنا هذا؛ لاختلاف الموضوع بين الإمامة هناك، والمرجعية هنا.. فأخذوا يعلنون صراحة، أو من خلال واقعهم العملي بانهم وقفوا على مرجعية الصدر ولا حاجة لنا بغيره بعد أن رحل شهيداً.
وهذا مخالف لما يراه نفسه قدس سره، حتى على مستوى الرأي الفقهي المشهور بعدم جواز البقاء على تقليد الميت إلا بإذن الحي..
ويمكننا أن نذكر بعض الدوافع التي جعلتهم يتخذون هذا الموقف:
أما الفريق الأول (وهو من خارج دائرة الصدر أصلاً).. ذلك الفريق الذي كان يراهن على أبترية تلك المرجعية؛ فكانت مراهنته هذه استمراراً طبيعياً لمحاولة وأد حركة الشهيد الصدر.. فمن لم يقبل به وهو حي، لم ولن يقبل بامتداده المرجعي الطبيعي..
وأما أبناء دائرة الصدر الذين وقعوا في فخ الوقوف، فتعددت دوافعهم، التي يمكن أن نقول أن منها:
الدافع العاطفي الذي أدى إلى الغلو في شخص الشهيد الصدر، وحركته المباركة.. كما كان ممن كان دافعه ذلك عند الوقوف على إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام)
أما الدافع الآخر فهو:
الدافع المصلحي.. فاتباع مرجعية بديلة، لا يجعل من بعضهم رؤوساً، فاختاروا ما اختاره البطائني والقندي في قبال الإمام الرضا عليه السلام؛ لتكون لهم فسحة للتحرك دون ضابط الالتزام بأوامر المرجع..
وبين ذلك الدافع، وهذا الدافع، يمكن أن يكون هناك من كان من المؤدلجين.. لإظهار فشل حركة الصدر بإيجاد المرجعية البديلة؛ ولعل هؤلاء هم القلة القليلة، قياساً مع أصحاب الدافعين العاطفي، والمصلحي، وخاصة العاطفي.. فهو الدافع الذي حرك الأكثر من هؤلاء من حيث لا يشعرون..
ومن الطريف دقة قول الشهيد الصدر حين قال: “إن المرشح الوحيد من حوزتنا هو الشيخ محمد اليعقوبي”، والذي أتبع هذا القول بقوله الموثق الذي لا يشوبه الشك ” فهو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي..”.
فلم ولن تخرج مرجعية لها أتباع وباع حوزوي من رحم حوزته إلا مرجعية الشيخ اليعقوبي…فقد صدق الصدر في قوله (الوحيد) فأثبت الواقع اليوم أنه الوحيد؛ ليثبت بذلك أن له استشرافاً للمستقبل لا يكاد يخطأ..
ومع ذلك.. نجد البعض يصر على تخطئة الشهيد الصدر في قوله الشهير واستشرافه الأخير.. لكن الأيام كانت كفيلة بإثبات حقانية الصدر ودقة أقواله، وبإثبات أن مرجعيته ليست مرجعية بتراء، وإن شانئها هو الأبتر…
فلقد استمر الحراك المرجعي من بعده على يد الفقيه البديل؛ فها هو الاستمرار البحثي الطبيعي للشهيد الصدر يظهر جلياً ببحث الفقه للمرجع اليعقوبي الذي يكاد ان يكمل عقده الثاني بحضور ليس بالقليل؛ وبطبع المجلدات من بحثه الموسوم بفقه الخلاف..
وها هي الجمعة التي أحياها الصدر كانت ولا زالت تقام على أيدي أبناء المرجع اليعقوبي وبرعاية مباشرة منه…
وها هي جامعة الصدر الدينية -التي أسسها الصدر الشهيد-تستمر بعطائها تحت ظل مرجعية الشيخ اليعقوبي.. وكأن الصدر كان عالماً بهذا الاستمرار حين أناط إدارتها في حياته لبديلة المتوقع..
وها هي عشرات المدارس الدينية تنتشر في أنحاء العراق وربما تجاوزت ذلك برعاية المرجع اليعقوبي…
وها هي مكاتب هذه المرجعية البديلة تنتشر في أصقاع الأرض لتقر عين الشهيد الصدر بإكمال ما بدأ من هذه الجهة..
وها هي البصمة التأريخية للمرجع البديل تبقى خالدة في تاريخ شعائر المذهب.. أعني بذلك الزيارة الفاطمية التي اثبت فيها المرجع اليعقوبي أنه ذلك المرجع الذي طمح الشهيد الصدر لإيجاده من بعده..
فأثار البديل تسير على خطى آثار الأصيل وإن اختلفت الأدوات أو الكيفيات فلكل مقام مقال، ولكل زمان رجال
رحم الله شهيدنا الصدر الذي أوصانا بالثبات على مسيرة الإتباع للمرجعية كصبغة لابد منها لنا نحن أتباع هذا المذهب الشريف؛ وحفظ الله الشيخ المرجع وبقية فقهائنا العاملين ..
الشيخ حازم الشحماني
البصرة
ليلة 2/ذو القعدة 1443
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية