الإمام الحسن عليه السلام هو ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وابن سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد سيّد المرسلين صلى الله عليه واله الطاهرين، ثاني أئمّة أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
كنيته: أبو محمّد، وألقابه: السيّد، والسبط، والأمير، والحجّة، والبرّ، والتقيّ، والأثير، والزكيّ، والمجتبى، والسبط الأوّل، والزاهد. ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان، سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: سنة اثنتين
وهنا نستذكر كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله والتي هي بعنوان ((تجليات الحُسنُ عند الإمام الحسن (عليه السلام)) حيث جاء فيها:
وردت كلمة على ألسنة المربّين مضمونها (تخلّقوا بأخلاق الله) أي جاهدوا لتهذيب أنفسكم حتى تتصف بأخلاق الله تعالى التي تناسب المخلوقين مما عبّرت عنها الأسماء الحسنى, وكان النبي (صلى الله عليه واله) وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) المظهر الأكمل والتجلي الأعظم لهذه الصفات الإلهية, ورد في دعاء شهر رجب المروي عن الإمام الحجة (عليه السلام) (فجعلتهم معادن لكلماتك واركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك) إلى أن يقول (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)
ولأننا نعيش ذكرى الإمام الحسن (عليه السلام) السبط المنتجب ريحانة رسول الله (صلى الله عليه واله) وسيد شباب أهل الجنة نأخذ دروساً من اسمه الشريف ونستذكر معه اسماً من أسماء الله الحسنى التي تجلت فيه وهو (المحسن), فقد سمّاه الله تبارك وتعالى باسمه مشتقاً من هذه الصفة الإلهية المباركة، رُويَ في كتب الفريقين ان فاطمة الزهراء (ع) لما ولدت الحسن طلبت من أمير المؤمنين (عليه السلام) تسميته فقال (عليه السلام) (ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه واله) بتسميته) وقال النبي (صلى الله عليه واله) (ما كنت لأسبق ربي بتسميته) فنزل الأمين جبرئيل (عليه السلام) وقال (إن الله يقول : سمه حسناً اشتققته من اسمي فانا المحسن وهذا حسن فسماه النبي (صلى الله عليه واله) بالحسن)
وفي دعاء التوسل بالخمسة أهل الكساء نسأل الله تعالى ونقول بالحسن وأنت المحسن.
والحَسَن لغةً صفة مشبهة بالفعل وهي تدل على ثبات ودوام الحال في الموصوف, وهكذا تجلى حسن الإمام الحسن (عليه السلام) أولاً في اسمه فقد اشتق من لفظ الجلالة وسمّاه الله تبارك وتعالى واختار له وصفاً ثابتاً له ,وهذه شهادة من الله تعالى بان الحسن والإحسان تجسّدا في هذا السبط المبارك، لأنّ الله تعالى لا يطلق هذا الوصف إلاّ إذا كان تامّ الانطباق على صاحبه.
وتجلّى حسنه ثانياً في كرمه وإحسانه للآخرين فقد كثرت الروايات في إغداقه العطاء بشكل أذهل الجميع, روي (أن رجلاً جاء إليه وسأله حاجة فقال له : يا هذا حق سؤالك إياي يعظم لديَّ ,ومعرفتي بما يجب تكبر عليَّ, ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ,والكثير في ذات الله عز وجل قليل ,وما في ملكي وفاء بشكرك ,فان قبلت مني الميسور ,ورفعت عني مؤونة الاحتيال والاهتمام لما أتكلفه من واجبك فعلت)
هذا وقد أعطاه ما كان تحت يده (عليه السلام) وهو خمسون ألف درهم وخمسمائة دينار.
حتى سُئل (عليه السلام) : لأي شيء لا نراك تردُّ سائلاً؟
قال (عليه السلام) (إني لله سائل ,وفيه راغب ,وانا استحيي أن أكون سائلاً واردَّ سائلاً ,وإن الله عز وجل عوّدني عادة : أن يفيض نعمته عليَّ ,وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس ,فأخشى أن اقطع العادة أن يمنعني العادة وأنشد يقول :
إذا ما أتاني ســــــائل قلت مرحــــباً
بمن فضـــله فــرضٌ عليَّ معـجّلُ
ومن فضلُه فضلٌ على كل فاضلٍ
وأفضل أيام الفتى حين يُســـــئُلُ
وتجلّى حسنه ثالثاً في تكريمه للمواقف الحسنة بأحسن منها, روي ان جارية حيّت الإمام الحسن (عليه السلام) بطاقة ريحان فقال (عليه السلام) لها : أنتِ حرة لوجه الله ,فقيل له في ذلك , فقال : أدّبنا الله تعالى فقال (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) (النساء/ 86) وكان أحسنُ منها اعتقاها)
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن الإمام الحسن بن علي (ع) انه كان ماراً في حيطان – أي بساتين – المدينة فرأى عبداً أسوداً بيده رغيف خبز يأكل ويطعم كلبه لقمة إلى أن شاطره طعامه في الرغيف , فقال له الإمام الحسن (عليه السلام) ما حملك على ما عملت وشاطرته ؟ فقال الغلام : استحيت عيناي من عينه.
فقال الإمام (عليه السلام) : غلام من أنت؟ فقال: غلام أبان بن عثمان ,فقال : والحائط ؟ قال : لأبان بن عثمان.
فقال له الإمام الحسن (عليه السلام) أقسمتُ عليك لا برحت حتى أعود عليك.
فمَّر على صاحب الحائط فاشترى الحائط والغلام معاً ,وجاء إلى الغلام ,فقال (عليه السلام) يا غلام قد اشتريتك فقام الغلام قائماً ,وقال : السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي.
قال (عليه السلام) : وقد اشتريت الحائط, وأنت حرٌ لوجه الله ,والحائط هبة مني إليك.
فقال الغلام: (يا مولاي قد وهبتُ الحائط للذي وهبتني له)
وتجلى حسنه رابعاً في مقابلة الإساءة مهما كبرت بالإحسان، عن المبرَّد وابن عائشة قالا: إن شامياً رآى الحسن بن علي (ع) راكباً بغلة، قال: لم أرَ أحسن منه، فمال قلبي إليه وسألت عنه فقيل لي: الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) فامتلأ قلبي غيظاً وحنقاً وحسداً أن يكون لعلي وله مثله فقمت إليه فقلت: أنت ابن علي بن أبي طالب، فقال (عليه السلام): أنا ابنه.
فقلت: ابن مَنْ ومَنْ مَنْ؟ وجعلت أشتمه وأنال منه ومن أبيه وهو ساكت حتى استحييت منه، فلما انقضى كلامي تبسّم، وقال: أحسبك غريباً شامياً، فقلت: أجل.
قال (عليه السلام) لعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك ولو استرشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنتَ طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً.
فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنتَ أنتَ وأبوك أبغض خلق الله إليَّ، والآن أنتَ أحبّ خلق الله إليَّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم.
وروي أنّه (عليه السلام) وجد شاة له قد كسرت رجلها فقال لغلام له: من فعل هذا؟ قال الغلام: أنا، قال: لمَ فعلت ذلك؟ قال: لأجلب لك الهم والغم فتبسّم الإمام (عليه السلام) وقال له: لأسرّك، فاعتقه وأجزل له العطاء.
وتجلّى حسنه خامساً في طريقة دعوته إلى الله تبارك وتعالى ووعظ الناس وأرشادهم تأدباً بقوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/125)، روي أن الإمامين الحسن والحسين (ع) مرّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء فأظهرا تنازعاً يقول كل منهما للآخر: أنا أحسن وضوءاً منك، وقالا: أيها الشيخ كن حكماً بيننا فتوضئا، وقالا: أيّنا يحسن الوضوء؟
فقال الشيخ: يا سيديَّ كلاكما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن الوضوء وقد تعلّم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما.
وتجلّى حسنه سادساً في شكله ومظهره الخارجي، فقد ذكر المؤرخون أنه من أحسن الناس وجهاً وفي أسد الغابة عن أنس بن مالك إنه لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه واله) من الحسن بن علي (ع)، وأضيف إليه انعكاس حسنه الباطني على ظاهره، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (لو رأيتم الإحسان شخصاً لرأيتموه شكلاً جميلاً يفوق العالمين).
هذا الحسن والإحسان جعل للإمام الحسن (عليه السلام) هيبة في قلوب الناس الذين عاصروه بل إلى اليوم وإلى يوم القيامة كلما ذكر اسمه الشريف اقترن بالهيبة والجلال، كهيبة جدّه رسول الله (صلى الله عليه واله)، وفي أسد الغابة: أتت فاطمة الزهراء (ع) بابنيها إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) في شكواه الذي توفي فيه فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما، فقال (صلى الله عليه واله): أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي.
وروى المؤرخون: ما بلغ أحدٌ من الشرف بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) ما بلغ الحسن بن علي (ع)، قال الراوي: ولقد رأيته في طريق مكة، نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق الله أحدٌ إلا نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقاص، قد نزل ومشى إلى جنبه).
حتى إن معاوية بن أبي سفيان لم يستطع مسّ شيعة أبيه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بسوء يُذكر طيلة عشر سنوات حتى استشهد الإمام الحسن (عليه السلام.