بمناسبة حلول أيام الله تبارك وتعالى في شهر رجب
حث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي – مد ظله –
المؤمنين على استثمارحلول الاشهر المتبركة لاستقبال وتلقي الالطاف الالهية العظيمة المتاحة للعباد في اشهر ضيافة الرحمن .
وقال سماحته في كلمةٍ القاها على طلبة البحث الخارج بمكتبة في النجف الأشرف:
((بحلول شهر رجب تبدأ أشهر ضيافة الله تعالى التي تبلغ ذروتها في شهر رمضان المبارك، فمن أراد أن يحظى بكرامة الله تبارك وتعالى وشرف دعوته فليهيّئ نفسه من شهر رجب لأن بطاقة الدعوة إلى ضيافة الرحمن في شهر رمضان تُقدّم من شهر شعبان من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والوصول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون من خلال أمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر رجب، وهذا واحد من معاني الحديث أن شهر رجب شهر أمير المؤمنين وشعبان شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهر رمضان شهر الله تعالى، فالنظر في مستحقي ضيافة الرحمن تكون من شهر رجب بواسطة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتُقدّم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينظر فيها في شهر شعبان ويقدّمها إلى الله تبارك وتعالى وهو الذي وسعت رحمته كل شيء)).
واكد سماحته على اهمية تهيئة الاذهان النفوس لاستقبال الاشهر الكريمة والفيوضات الالهية الموجودة فيها والتي تبدأ في شهر رجب الاصب و الاستعداد الجيد لها بقوله: ((فعلينا أن نؤهل أنفسنا لتلقي هذه الألطاف الإلهية، بمزيد من الالتفات والذكر والمراجعة لعلاقتنا مع الله تبارك وتعالى فالأعمال الصالحة التي كنّا نؤدّيها نداوم عليها ونحسِّن أداءها، والتي كنّا لا نؤديها نبادر إلى الاتيان بها، والتي كنا نؤدي جزءاً منها نكملها، وإذا وُجد في برامج حياتنا تضييع وتفريط بالوقت الثمين من أعمارنا فيما لا ينفعنا في الآخرة فعلينا أن نتجنبه ونحوّله إلى وقت مثمر ومنتج بالأعمال الصالحة)).
وفيما يلي النص الكامل للكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة حلول أيام الله تبارك وتعالى في شهر رجب
قال تعالى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ) (إبراهيم/5) ولاشك أن شهر رجب من أيام الله تعالى من أول ليلة منه فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال (كان يعجبه أن يفرِّغ نفسه أربع ليال في السنة، وهي أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة النحر)[1] لما ورد من أن الرحمة تُصبّ فيه صبّا حتى سُمِّي رجب الأصب. وليس هذا وحده، فبحلوله تبدأ أشهر ضيافة الله تعالى التي تبلغ ذروتها في شهر رمضان المبارك، فمن أراد أن يحظى بكرامة الله تبارك وتعالى وشرف دعوته فليهيّئ نفسه من شهر رجب لأن بطاقة الدعوة إلى ضيافة الرحمن في شهر رمضان تُقدّم من شهر شعبان من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والوصول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون من خلال أمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر رجب، وهذا واحد من معاني الحديث أن شهر رجب شهر أمير المؤمنين وشعبان شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهر رمضان شهر الله تعالى، فالنظر في مستحقي ضيافة الرحمن تكون من شهر رجب بواسطة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتُقدّم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينظر فيها في شهر شعبان ويقدّمها إلى الله تبارك وتعالى وهو الذي وسعت رحمته كل شيء.
وهذا الترابط بين الأزمنة بحيث يكون القضاء في وقت والتقدير في وقت آخر يحلُّ لنا بعض الإشكالات، فمثلاً من المعلوم الذي وردت فيه الروايات الشريفة أن ليلة القدر تقدر فيها الأرزاق والآجال والعواقب، وورد في تفسير قوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/4) انها ليلة النصف من شعبان فيندفع التعارض بين التفسيرين، بأن في ليلة النصف من شعبان يُنظر في تقدير الأمور والاستحقاقات والأرزاق في الدنيا والآخرة أي يجري فيها القضاء من دون قدر أي حسم، وتقدم بما يسمى (مطالعة) في العرف المتداول، ثم تُحسم ويتحتم فيها القضاء والقدر في ليلة القدر وفي بعض أدعية شهر رمضان إشارة إلى هذا الترابط (اللهم إني أسألك أن تجعل فيما تقضي وتقدِّر من الأمر المحتوم في الأمر الحكيم من القضاء الذي لا يردُّ ولا يُبدّل أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام إلى آخره…)
وبهذا أيضاً يجاب على دخول ليلة التاسع عشر من شهر رمضان في ليالي القدر مع أن الروايات الصحيحة دلّت على كونها في العشر الأواخر من شهر رمضان وتفسير ذلك أن في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان تُقدّم الطلبات وتُرفع الدعوات، وفي الليلة الحادية والعشرين يُنظر في الاستحقاقات وتقدَّر القواعد العامة لها من دون تطبيق تلك القرارات على الأفراد حتى تُحسم في ليلة القدر، فمن أراد أن يكون من أهل ليلة القدر فلا يفوِّت العمل منذ ليلة التاسع عشر ولا يتوهم انها ليست من ليالي القدر، فإن تلك الليالي تبدأ بها فعلاً وتُقدَّم فيها الطلبات وإذا أردنا أن نمثل لمورد من الفقه للقضاء بقدر وللقضاء بدون قدر فهي الحدود والتعزيرات فإن موجباتهما تشترك بأنها جنايات وجرائم وجنح تستحق العقوبات، فهي جميعاً مما قضى الله تعالى فيها بالعقوبات إلا أنها تفترق بأن في موارد الحدود قُدّرت العقوبة، أما في التعزيرات فلم تقدَّر وترك تقديرها إلى ولي الأمر، فاجتمع في الحدود القضاء والقدر، أما في التعزيرات فقضاء بلا قدر.
ومن هذه المقدمة نتعرف على أهمية شهر رجب بأنها ليست فقط ناشئة من شرف نفس الشهر وكرامته والألطاف الإلهية العظيمة المتاحة للعباد فيه، بل لأنه بداية أشهر ضيافة الرحمن التي تكتمل في شهر رمضان.
فعلينا أن نؤهل أنفسنا لتلقي هذه الألطاف الإلهية، بمزيد من الالتفات والذكر والمراجعة لعلاقتنا مع الله تبارك وتعالى فالأعمال الصالحة التي كنّا نؤدّيها نداوم عليها ونحسِّن أداءها، والتي كنّا لا نؤديها نبادر إلى الاتيان بها، والتي كنا نؤدي جزءاً منها نكملها، وإذا وُجد في برامج حياتنا تضييع وتفريط بالوقت الثمين من أعمارنا فيما لا ينفعنا في الآخرة فعلينا أن نتجنبه ونحوّله إلى وقت مثمر ومنتج بالأعمال الصالحة.
فمن كان يؤدي الصلاة في أوقاتها وفي المساجد ويؤدّيها جماعة فليحافظ عليها وليواظب فإنّها كالدواء الذي له وقت معين لتناوله وإذا لم يلتزم بالوقت المحدّد فإنه يفقد جزءاً كبيراً من منفعته.
ومن كان لا يؤدي صلاة الليل أو يكتفي بركعتي الشفع والوتر منها ليضاعف همّته ويواظب عليها فإن المقامات المحمودة عند الله تبارك وتعالى لا تُنال بغير التهجّد بالليل قال تعالى مخاطباً نبيّه العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء/79).
ومن كان لا يؤدي النوافل اليومية ليقم ولو ببعضها كركعتي نافلة العشاء والصبح والغفيلة بعد صلاة المغرب وركعتين من نافلة الظهر والعصر حتى لا يُعدُّ من التاركين لها على الأقل.
وليتذكر أداء صلاة أول الشهر في أول يوم منه وهي ركعتان بالحمد و30 مرة سورة التوحيد في الركعة الأولى، والحمد وثلاثين مرة سورة القدر في الركعة الثانية ثم يقرأ دعاءاً قصيراً موجوداً في الكتب المخصّصة ثم يتصدق بما يتيسّر فإنه يشتري بذلك سلامة هذا الشهر.
وإذا لم يكن ممن يتصدق فليكن من أهل الآية الشريفة (يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) (البقرة/274) فيعزل مقداراً ولو يسيراً في أول الليل –أي بعد صلاة المغرب- ومقداراً في أول النهار –أي بعد صلاة الصبح- حباً لله تعالى ما دام هذا الفعل محبوباً لله تعالى وليدفع عنه وعن أهله السوء.
ولا يغفل عن صلاة جعفر الطيار ضحى يوم الجمعة فإنها تسمى الاكسير الأعظم لما فيها من أثر في الارتقاء والتكامل.
ومن الأعمال المميّزة في هذا الشهر الصوم، وكلما أكثر منه فهو خير بحسب ما تسمح قوته الجسمية وظروفه الموضوعية، والمعدّل المناسب هو ثمانية أيام في مجموع الشهر لقول الإمام الباقر (ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيِّها شاء)[2]، وليحرص على توقيتها في الأيام الشريفة كاليوم الأول وأول خميس ويتمّم في مسائه أعمال ليلة الرغائب وهي أول ليلة جمعة من شهر رجب، والأربعاء في العشرة الوسطى وآخر خميس من الشهر ليكون بصيامه هذه الثلاثة كمن صام الشهر كله بحسب ما ورد في الروايات الشريفة، ويصوم الأيام البيض الثلاثة (13، 14، 15) ويوم السابع والعشرين وهو يوم المبعث النبوي الشريف، وآخر ثلاثة أيام من الشهر فتحقق بذلك الثمانية مضافاً إلى الثواب المخصوص لبعض الأيام، روى الشيخ الصدوق بسنده عن سالم قال (دخلت على الصادق (عليه السلام) في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إليَّ قال لي: يا سالم: هل صمت في هذا الشهر شيئاً، قلت: لا والله يابن رسول الله، فقال لي: فقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلا (الله عز وجل) إن هذا شهر قد فضّله الله وعظّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته، قال: فقلت له: يابن رسول الله، فإن صمت مما بقي منه شيئاً، هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم من صام يوماً من آخر هذا الشهر، كان ذلك أماناً من شدة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلّع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جوازٌ على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده وأعطي براءة من النار)([3])
وروايات كثيرة في (وسائل الشيعة) وغيرها محفزة على هذا العمل الصالح.
ومما ينبغي المواظبة عليه في هذا الشهر الشريف إقامة الشعائر الدينية وزيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لوجود عدة مناسبات فيه لأهل البيت (عليهم السلام) ففي الأول منه ولادة الإمام الباقر (عليه السلام) وفي الثالث منه شهادة الإمام الهادي (عليه السلام) وفي العاشر ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) وفي الثالث عشر ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي النصف منه وفاة العقيلة زينب (عليها السلام) وفي الخامس والعشرين شهادة الإمام الكاظم وفي السابع والعشرين ذكرى المبعث النبوي الشريف.
وفيه زيارتان مخصوصتان مهمتان للإمام الحسين (عليه السلام) في الأول والنصف منه وسميت بالغفيلة لغفلة عامة الناس عن فضلها، وفيه الزيارة المخصوصة لأمير المؤمنين في المبعث النبوي الشريف.
وأكثروا من تلاوة القرآن الكريم كلما تيسّر لكم ذلك والأدعية الشريفة واذكروا الله تعالى في أوقات الغفلة.
واغتنموا هذه الأشهر لمراجعة النفس والعلاقة مع الأهل ومنهجهم في الحياة ومدى مطابقة سلوكهم لما يريده الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/6) برّوا بوالديكم وأظهروا لهم المودة والشفقة والرحمة، و صلوا أرحامكم واصلحوا ذات بينكم وما فسد من أمور مجتمعكم، وأكثروا من الدعاء لصاحب الأمر الحجة الخلف الهادي المهدي (أرواح العالمين له الفداء)، وحسّنوا أخلاقكم، وادعوا الناس إلى كل خير وساعدوهم على اجتناب كل سوء أعاذنا الله وإيّاكم.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل رضاه ومن أهل طاعته في هذه الأشهر الكريمة وفي كل آن، والحمد لله الذي هذا لهذا وما كنّا لنتهدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
([1]) مفاتيح الجنان: 222 أعمال الليلة الأولى من رجب.
([2]) وسائل الشيعة، أبواب الصوم المندوب، باب26 ح5.
([3]) راجع (مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمي في (أعمال شهر رجب)، ورواها في وسائل الشيعة، أبواب الصوم المندوب.