يُبتلى بعض الأزواج بالعقم وعدم القدرة على الإنجاب لسبب أو لآخر في أحد الزوجين أو كليهما مما يؤدي الى الوقوع في ضيق نفسي وحرج اجتماعي يصعب على بعضهم تحمّله، ويصبر بعضٌ آخر احتساباً للأجر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر:10 .
وقد منّ الله تبارك وتعالى على عباده بوجود عقول مبدعه تشخّص مشاكل البشرية وتحلّلها وتقوم بتجارب مضنية. حتى تضع الحلول لها مما يخفّف من معاناتها وآلامها. وقد توصل العلماء إلى عدة طرق لمعالجة العقم منها:
– التلقيح الصناعي
– زرع الأعضاء التناسلية
– زرع خلايا نسيجية في بدن المريض لتنمو وتولّد عضواً جديداً بدل العضو التالف.
ويراد بالتلقيح الصناعي عملية إنتاج نطفة مخصبّة تكون مشروعاً لولادة إنسانٍ جديد من غير الطريق الطبيعي المتعارف وهو الاتصال الجنسي المباشر.
وقد أثار بعض علماء العامة إشكالات على العملية، فقيل إنها تخالف قوله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) (البقرة : 223 ) فلابد أن يحصل التلقيح بالاتصال الطبيعي المباشر، وقيل إنها لا تتفق مع قوله تعالى : (خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ) (الطارق:6). وقوله تعالى: ( فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) (المرسلات:21) حيث لا يوجد ماء دافق ولا قرار مكين في عملية التلقيح الصناعي. وقيل إن في إجرائها مخالفة للمشيئة الإلهية، لأن الله تعالى يقول: ( وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً) (الشورى:50).
ويرى سماحة الشيخ اليعقوبي عدم وجود مانع ذاتي من معالجة العقم كأي حالة مرضية حيث ورد في الأحاديث في مراجعة الأطباء وأخذ العلاج طلباً للاستشفاء. وأنه لا ينافي التوكل على الله تعالى وتوفيض ألامور إليه سبحانه، ومن ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إن الله تعالى أنزل الداء والدواءوجعل لكل داءٍ دواءً فتتداووا ولا تداووا بالحرام).
ولعملية التلقيح الصناعي حالات عديدة بحسب سبب العقم الذي يعاني منه أحد الزوجين أو كلاهما وبحسب الطريقة التي تجري بها العملية، وفي كل منها صور محتملة. بلحاظ الرجل مانح الحيمن والمرأة مانحة البويضة، والرحم الذي سيحتضن البيضة الملقحة، واستنباط الأحكام الشرعية لصور التلقيح الصناعي وتمييز الحلال عن الحرام فيها. يضبط هذه العملية في قنواتها المشروعة أما إطلاقها من دون مراعاة ضوابط فإنه يؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبرى.
وحينما يتحدث سماحته عن الجواز في بعض الصور الآتية، فإنه يلاحظ فيه وجود مسوّغ شرعي للإقدام على العملية أصلاً لأنها تستلزم عدة محرمات. كالإطلاع على العورة ولمس الأجنبية ونحو ذلك والمسوّغ هنا وجود ضرر معتد به على أحد الزوجين أو وقوعهما في حرج اجتماعي غير محتمل. ونحو ذلك من العناوين المسقطة للتكليف.
وصور التلقيح الصناعي هي:
الصورة الأولى: أن يؤخذ ماء الزوج ويُحقن في مهبل الزوجة ويتم التلقيح والحمل عندها، وهذه العملية جائزة.
الصورة الثانية: تلقيح حيمن الزوج وبويضة الزوجة خارج الرحم في أنبوبة أو وعاء ونحو ذلك ثم تزرع البويضة المخصّبة (النطفة) في رحم الزوجة حتى يكتمل نمو الجنين وهذه العملية جائزة أيضاً.
الصورة الثالثة: نفس الصورة السابقة لكن الجنين يبقى في الرحم الصناعي الى أن يكتمل ويجري نفس الحكم بالجواز فيها.
الصورة الرابعة: تلقيح بويضة الزوجة بحيمن الزوج خارجياً وزرع النطفة في رحم الزوجة الأخرى والعملية جائزة على فرض وجود المسوّغ الشرعي عند أجراء العملية.
الصورة الخامسة : تلقيح بويضة الزوجة بحيمن الزوج خارج الرحم وزرع النطفة في رحم أمرأة أجنبية مستأجرة كانت أم متبرعة وهذه العملية جائزة.
الصورة السادسة : تلقيح الزوجة بماء الرجل الأجنبي بحقنه في رحمها ونمو الجنين في رحم الزوجة والاحوط وجوباً الامتناع عنها.
الصورة السابعة : تلقيح البويضة المأخوذة من الزوجة بحيمن رجل أجنبي في أنبوب المختبر وزرع اللقيحة في رحم الزوجة، ونلزم هنا بالاحتياط الذي يقتضي الاجتناب. ولابد أن تكون العملية بإذن الزوج لمنافاة حملها – لو حصل – لحقه لوجوب العدة على الزوج وعدم جواز مقاربتها، وقد تبدو العملية عبثية بالنسبة اليه لأن الولد سوف لا يكون له فما فائدته منها.
الصورة الثامنة : التلقيح بين ماء الزوج وبويضة أمرأة أجنبية خارج الرحم ثم تزرع النطفة في رحم الزوجة والاحتياط هنا باجتنابها لا يصل الى الوجوبي لكننا نحتاط لزوماً بعدم القيام بمثل هذه العملية ولو أجريت فالولد للزوج صاحب الماء، أما الأم فهي المرأة الاجنبية صاحبة البويضة فلا فائدة للزوجة من هذه العملية وتكون عبثية بالنسبة لها الا ان ترضعه بعد ولادته فتكون أماً له بالرضاعة.
الصورة التاسعة : تلقيح بيضة المرأة غير المتزوجة بماء الرجل خارجاً وزرع اللقيحة في رحم الاجنبية صاحبة البويضة. هنا الاحتياط اللزومي أقوى وإن كان التلقيح خارجياً لوجود ارتكاز لدى المتشرعة على حرمة حمل المرأة من غير الزوج، فتأمل.
الصورة العاشرة : حقن البيضة المأخوذة من المرأة الأجنبية في مهبل الزوجة وتلقيحها بماء الزوج بالاتصال الطبيعي، والعملية هذه جائزة كزرع سائر الأعضاء إذا صدق عرفاً أنها جزء من الجسم الجديد.
الصورة الحادية عشر: حقن المرأة غير المتزوجة بماء رجل أجنبي أي ان التلقيح داخلي، وهذه العملية محرمة.
ويرى سماحته، أنه في أي صورة يفتي فيها بالجواز لابد من مراعاة الحيطة والحذر عند إجراء العملية. ولابد أن تكون بأيدي أمينة خشية اختلاط الحيامن والبويضات أو تبديلها ونحو ذلك.
• انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، ص7، ج/12 والصادر عن دار الصادقين 1441-2020.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية