ابتلي المجتمع بمشاكل كبرى بسبب جهله بأحكام دينه وابتعاده عن علمائه وسعي الطغاة للفصل بينهما، بقتل العلماء أو تهجيرهم أو اعتقالهم، وكذا فعلوا برجال الحوزة والشباب الرسالي الذين هم حلقة الوصل بين المرجعية والأمة.
ومن تلك المشاكل مراجعتهم المحاكم الوضعية لإجراء الطلاق وهو – عدا حالات نادرة- غير جامع لشروط الصحة فتبقى المرأة في عصمة زوجها. وهما يبنيان على انتهائها، فتتزوج آخر على هذا الحال وهو زواج غير صحيح، فعندما يلتقيان ويرتبان آثار الزوجية من اللقاء الجنسي أو قبله ثم يلتفتان إلى حالهما يقعان في حرج من تطبيق ما يترتب على هذه الحالة من أحكام شرعية. كالانفصال بين الزوجين والحرمة المؤبدة -على المشهور- أي عدم إمكان إعادة العلاقة الزوجية بينهما خصوصاً عند تحقق الدخول حيث لا يعذر الجاهل. فالعنوان من تطبيقات مسألة من تزوج ذات بعل.
قال صاحب العروة الوثقى (يلحق بالتزويج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية تزويج ذات البعل)، لذا سنتطرق لحكم من تزوج امرأة في عدتها أولاً.
أ- حرمة التزويج بالمرأة في عدتها: وهو مما لا شك فيه دلّت عليه:
في الكتاب الكريم قوله تعالى في عدة الوفاة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة:234) وقوله تعالى في عدة الطلاق (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة:228) وأوضح مصاديق التربص في الموردين هو اجتناب التزويج بقرينة قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) فببلوغ الأجل وهو انتهاء العدة حلَّ لهن التزويج مما يعني انه كان محظوراً عليهنَّ.
وفي السنة: روايات كثيرة جداً بدلالات شتى كالتصريح أو بالدلالة الالتزامية، حيث أذنت لمن لا عدة عليها كالصغيرة واليائسة. ولمن وصل إليها خبر الطلاق بعد مضي عدتها، أن تتزوج من ساعتها أو بالأولوية كمنعها من الخروج من البيت إلا بإذن الزوج في فترة عدة الطلاق. بل يحرم التصريح بالخطبة من المرأة التي في العدة وإنما له التعريض بها. وهو معنى قوله تعالى (وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفا وَلا تَعزِمُوا عُقدَةَ النِكَاحِ حَتّى يَبلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ).
والإجماع قائم على ذلك. وإطلاق الحكم شامل لـ (الزواج الدائم والمنقطع، عدة الوفاة وعدة الطلاق، العدة البائنة والرجعية).
ب – حرمة التزويج بذات البعل وهي من ضروريات الدين واتفاق العقلاء، فمن تزوج بذات بعل كان ذلك العقد باطلاً وهل تحرم عليه مؤبداً أم لا؟
لو رجعنا إلى أقوال الفقهاء المعاصرين لوجدنا أن السيد الخوئي (قدس سره) جزم بالحرمة مع الدخول عالماً أو جاهلاً في المعتدة وذات البعل أما مع عدم الدخول فتحرم على العالم دون الجاهل فيبطل العقد فقط.
وقال الشيخ الفياض: يحرم العقد على ذات البعل أو المعتدة ما دامتا كذلك ولو تزوجها جهلاً بالحكم أو الموضوع بطل العقد، فان دخل حينئذٍ حرمت عليه مؤبداً.
والرأي المختار لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي هو حرمة التزوج بالمرأة التي عقد عليها ودخل بها ولو جهلاً. وكانت ذات بعل ومنها المطلقة طلاقاً غير صحيح في المحاكم الرسمية. لذا جمع كثير من الفقهاء ذات البعل والمعتدة في مسألة واحدة وتناولوا أحكامهما سوية.
إن قلت: أن أدلة الحرمة منصرفة عن المقام وهي المرأة المطلقة طلاقاً غير جامع للشروط فإنها ليست ذات بعل في نظر العرف فلا تكون مشمولة بالحرمة.
قلت:
1- أن العرف وان كان محكماً في فهم مداليل الألفاظ إلا أنه مقيد بالالتفات أما مع الغفلة فلا يُعبأ بقوله، وحكم العرف بأن هذه المرأة ليست ذات بعل ناشئ من الغفلة بدليل عدوله عند الالتفات.
2- أن هذه المرأة ذات بعل واقعاً لبقاء الزوجية وعدم حصول ما ينقضها فمناقشة العرف وغيره في صدق العنوان، يكون بمثابة الشبهة مقابل البديهة وما دام العنوان صادقاً فالحكم جار.
3- أن النصوص سمّت المطلقة لغير السنة بذوات الأزواج فتكون شارحة للعنوان فعن محمد بن الفيض في حديث قال (سألت أبا عبد الله (رضي الله عنه) عن المتعة قال نعم وإياكم وذوات الأزواج، قلت وما ذوات الأزواج، قال: المطلقات على غير السنة) وعن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: (إياكم وذوات الأزواج المطلقات على غير السنة) وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إياك والمطلقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج).
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) , ج 6, ص 131, والصادر عن دار الصادقين 1441 هـ / 2020م.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية