في المسألة قولان مشهوران:
(الأول) الحرمة وبطلان الصلاة ((اختاره الشيخان والحلبي وابن أبي حمزة، بل كما قيل أكثر القدماء، وعن الخلاف والغنية: الإجماع عليه)) وهو مختار صاحب الحدائق (قدس سره).
(الثاني) الجواز مع الكراهة ((ذهب إليه السيد المرتضى وابن إدريس الحلي وفخر المحققين، ومعظم المتأخرين بل ادعي إجماعهم عليه)) ويحتمله كلام الشيخ في الاستبصار حيث حمل بعض الأخبار المانعة على الاستحباب.
واختاره صاحب الرياض والجواهر والعروة والمستمسك والشهيدان الصدران (قدس الله أرواحهم جميعاً)؛ قال الأول (قدس سره): ((ولا بأس بصلاة الرجل وإلى يمينه أو شماله أو أمامه امرأة تصلي)) وقال الثاني (قدس سره): ((الأقوى صحة صلاة كل من الرجل والمرأة، وإن كانا متحاذيين حال الصلاة أو كانت المرأة متقدمة)).
وتردد آخرون كالمحقق الحلي في المختصر النافع حيث نقل القولين من غير ترجيح، ونقل عن الفاضل المقداد التردد أيضاً ((ولكن جعل الكراهة أحوط)) وهو ليس بتام فليس هذا مقتضى الاحتياط.
ونسب الشهيد الأول في الذكرى إلى الجعفي قولاً بـ ((التفصيل بين ما إذا كان البعد بينهما أقل من عظم الذراع فالمنع، وإن كان بقدره أو أكثر فالكراهة)).
واختاره السيد الخوئي (قدس سره) وعلله بأن ((مقتضى الجمع العرفي بينها – أي ما دلّ على كفاية الفصل بشبر- وبين الموثقة بالالتزام بالكراهة إذا كان الفصل عشرة أذرع فما دون، والمنع لو كان أقل من الشبر. وهذا القول وإن كان شاذاً ولم يلتزم به إلا الجعفي كما سبق إلا أن نتيجة الجمع بين الأخبار هو ذلك)).
ومنشأ الخلاف الروايات، وهي الدليل في المقام، إذ التعويل على الإجماع لا قيمة له كما هو واضح، والاستدلال على الجواز بـ (الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد بدليل) كما ذكر صاحب المدارك لا يجدي لعدم جواز التمسك بالأصل مع وجود الدليل – كما هو المفروض- وأن المقيد لإطلاق الأمر بالصلاة موجود بحسب الروايات. ويمكن تقسيم الروايات إلى طائفتين بحسب تقريب الاستدلال بها على القولين المشهورين.
(الطائفة الأولـى) ما استدل به على المنع، ودلالتها على المطلوب متنوعة إلى أصناف:
(الأول) ما دلّ على أصل المنع من المحاذاة وتقدم المرأة ووجوب تقدم الرجل ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً؟ قال: لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة).
(الثاني) ما دلّ على المنع إلا أن تفصل بينهما مسافة أو حاجز أو تتأخر المرأة عن الرجل، ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت).
(الثالث) ما دلّ منطوقاً أو مفهوماً على وجود البأس في صلاة الرجل والمرأة متحاذيين ومع عدم وجود حاجز أو فاصل، ومنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي والمرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره؟ فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلي). بتقريب: أن مفهوم الجملة أن فيه البأس إذا كانت تصلي، وليس البأس إلا المنع من صلاتهما متحاذيين.
(الرابع) ما دلّ على وجوب إعادة المرأة صلاتها إذا صلت بحذاء الرجل: منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: (سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر قال: لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة).
(الطائفة الثانية) ما استدل به على الجواز ومنها: صحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد).
والرأي المختار لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) هو القول بالمنع، كالقول الأول إلا أنه يلتزم المنع برجوع المرأة مقدار شبر وليس من الضروري تأخر مسجدها عن موقفه إذ القائلون بالمنع من المحاذاة التامة اختلفوا فيما يرتفع به المنع من كفاية رجوعها شبراً وهو ما اخترناه واختاره صاحب الحدائق (قدس سره): ((بل قد يظهر من المحكي عن المنتهى أنه من المجمع عليه، حيث أنه بعد أن حكى الإجماع على صحة صلاتيهما مع الحائل والأذرع قال: (وكذا لو صلت متأخرة عنهم ولو بشبر أو قدر مسقط الجسد)) واختار المحقق في الشرائع والشهيد الأول في اللمعة سقوط المنع بما ((لو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذياً لقدمه)).
لذا أفتى سماحته (دام ظله) في رسالته العملية الموسومة سبل السلام: ((الأحوط عدم تقدم المرأة على الرجل في الصلاة أو محاذاتهما مع الاختيار بل يتقدم الرجل في مسجده ولو شبراً على الأقل على مسجد المرأة، والأحوط استحباباً أن يتقدم موقفه على مسجدها ولو يسيراً أو يكون بينهما حائل أو مسافة عشرة اذرع بذراع اليد، نعم، يختص ذلك بصورة وحدة المكان بحيث يصدق التقدم والمحاذاة، فإذا كان أحدهما في موضع عال دون الآخر، على وجه لا يصدق التقدم والمحاذاة فلا بأس، والمنع هذا مختص بحال الاختيار وأما في حال الاضطرار فلا منع، وكذا عند الزحام بمكة المكرمة)).
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، ج 2 , ص365, الصادر عن دار الصادقين 1441هـ – 2020م.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية