القول بمطهرية الشمس في الجملة هو المشهور لدى الفقهاء كما عن جماعة كثيرة بل عن الخلاف والسرائر حكاية الإجماع عليه، وخالف الشهيد الصدر (قدس سره) فقال بعدم مطهريتها ونقله عن أستاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ويشهد له عدم ذكره الشمس ضمن المطهرات في رسالته العملية (الفتاوى الواضحة). وذهب إليه الشيخ الفياض (دام ظله) فقال: بل لا يبعد عدم مطهرية الشمس مطلقاً. ودليل المشهور عدة روايات بعد الشهرة المحققة والإجماع المنقول، حيث نقل صاحب الجواهر عن أستاذه كاشف الغطاء. أنها شهرة كادت تبلغ الإجماع وقال: بل هو معقد مذهب الإمامية في كشف الحق والإجماع في السرائر وموضعين من الخلاف.
ومن الروايات التي استدل بها على مطهرية الشمس وهي عديدة منها: صحيحة زرارة (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يُصلى فيه. فقال (عليه السلام): إذا جففته الشمس فصلِّ عليه، فهو طاهر. ومنها: موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله في حديث قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، ولكنه قد يبس الموضع القذر، قال: لا يُصلّى عليه وأعلِم موضعه حتى تغسله، وعن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلِّ على ذلك الموضع حتى ييبس، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك. ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) التي رواها الصدوق (رحمه الله) عنه أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) (عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبها البول، ويغتسل فيهما من الجنابة، أيُصلى فيهما إذا جفا؟ قال: نعم.
وتوجد رواية صحيحة تمسك بها القائلون بعدم المطهرية وأوجبت عندهم صرف ظهور الروايات المتقدمة والتشكيك في حجيتها وهي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: (سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال: كيف تُطهّر من غير ماء. وفي الاستبصار (تطْهُر).
وممن تمسك بالتعارض ورجّح عدم المطهرية السيد الشهيد الصدر (قدس سره) ووصف هذا القول بأنه واضح، إذ خلص (قدس سره) إلى استقرار التعارض فتتساقط الأدلة ونرجع إلى الأصل العملي وهو استصحاب النجاسة.
والراي المختار لسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) القول بمطهرية الشمس في الجملة لوجود المقتضي وفقدان المانع: أما المقتضي فهما أمران:- 1- الروايات , 2- ارتكاز هذا الحكم في أذهان أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كما في صحيحتي علي بن جعفر وابن أبي بزيع من دون ارتكاز الإمام (عليه السلام) ولو قرب المستدلون بالإجماع -كصاحب الجواهر- تعبديته الكاشفة عن رأي المعصوم (عليه السلام) لكان حجة لأنه لا يكون حينئذٍ مدركياً.
وعلى هذا فإن المدركي هو قول القادحين في الإجماع لأن نفيهم للمطهرية مستند إلى مناقشتهم في استظهار المطهرية من الروايات، ولما أثبتنا إمكان ذلك سقط إنكارهم. وأما عدم المانع فلأن الموانع التي تصوروها هي:
– 1- صحيحة ابن بزيع، وهي ليست معارضة لعدة وجوه منها : إن موضوع الطائفة الأولى (صحيحة زرارة وموثقة عمار) مباين لموضوع هذه الطائفة (صحيحة ابن بزيع) أو مخصص لها فلا تعارض، لأن موضوع الطائفة الأولى هي الأرض الرطبة التي يستند تجفيفها إلى الشمس وقد أفادت الرواية طهارتها، وموضوع الثانية إما الأرض اليابسة (بقرينة احتياجها إلى الماء) أو مطلق الأرض الشاملة للرطبة واليابسة، وعلى التقدير الأول فالموضوعان متباينان ويكون مفاد الرواية أن الأرض الجافة بغير الشمس لا تطهر إلا بالماء.
وعلى الثاني فإن موضوع الأولى مخصص للثانية فتخرج الأرض الرطبة التي تجففها الشمس بالطائفة الأولى ويحكم عليها بالطهارة وتبقى الأرض الجافة بغير الشمس أو التي لا زالت رطبة تحت موضوع الطائفة الثانية فلا يحكم بطهارتها حتى يصب عليها الماء وهو ما نتفق عليه.
2- عدم حمل لفظ الطهارة على المصطلح المتشرعي قال السيد الشهيد الصدر (قدس سره): عدم إمكان حمل (طاهر) في كلام الإمام (عليه السلام) على المعنى الاصطلاحي الفقهي لأنه اصطلاح متأخر لا تفهم في ضوئه الروايات، فيحمل على الطهارة اللغوية والعرفية السائدة آنذاك وهو يعني النظافة من الوسخ أي أن قذارته غير موجودة ولا تحمل على الطهارة الحكمية. وكلامه (قدس سره) صحيح كبروياً أي أن المعنى الذي تحمل عليه الألفاظ الواردة في كلام المعصوم (عليه السلام) يجب أن يكون مما تعارف عليه أهل اللغة في ذلك الزمان ولا يصح حملها على معانٍ ومصطلحات مستحدثة ومع الشك لا يمكن التمسك بالاستصحاب القهقرائي إلا أن ينضمّ إليه ما يثبت ذلك كالاستقراء ونحوه.
وإنما يناقش من عدة جهات صغروية: –
أ- أن المستفاد من الرواية السؤال عن طهارة المكان وقد ورد الإذن بالصلاة باعتباره من آثار طهارة المكان.
ب- الفاء في (فهو طاهر) لتعليل جواز الصلاة بطهارة المكان يتعين فهم الطهارة المتشرعية وإلا يصبح لا معنى له.
جـ- إن دعواه (قدس سره) بأن الفهم المتشرعي للطهارة متأخر عن زمان النص غير صحيحة فقد ورد هذا المعنى -أعني الطهارة مقابل النجاسة والقذارة التي وردت بمعنى النجاسة- نصوص عديدة منها : عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال إن الأرض (إذا أصابها قذر ثم أتت عليها الشمس فقد طهرت) وسئل (عليه السلام) عن البقعة يصيبها البول والقذر، قال: (الشمس طهور لها) وورد في دعائه (عليه السلام) عند الوضوء (الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً) وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة) ، ورواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر) ولا معنى لحمل القذارة هنا على غير النجاسة لعدم فائدة في جعل العلم به غاية للحكم بالطهارة وبمقتضى المقابلة يُعلم المراد من الطهارة، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً) وفي مطهرية الأرض من النجاسات التي تصيب باطن القدم ورد قول أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (إن الأرض تطهر بعضها بعضاً) وصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قلت له: إن طريقي إلى المسجد في زقاقٍ يبال فيه فربما مررت فيه وليس عليَّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إن الأرض تطهر بعضها بعضاً) لذا قال صاحب الجواهر (قدس سره): والمناقشة بعدم إرادة المعنى الشرعي من لفظ الطهارة مدفوعة بما مرَّ غير مرة من إمكان دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيها في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن عصر الصادقين (عليهما السلام) وعلى أي حال فإن هذه الإشكالات على الاستدلال بالرواية سابقة على سيدنا الأستاذ (قدس سره) وقد اكتفى السيد الخوئي بالرد عليها بقوله: ((ولعمري إن الكف عن التعرض لأمثال هذه المناقشة أولى وأحسن وقال صاحب الجواهر: فلا يليق بفقيه التوقف في الاستدلال بها لنحو هذه المناقشات الواهية.
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، ج/1 , ص 81 والصادر عن دار الصادقين 1441/2020.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية