لم يقل أحد من فقهاء العامة ببطلان الصوم إذ رمس الصائم رأسه في الماء. نعم الحنابلة منهم ذهبوا إلى الكراهة، إذا لم يكن الارتماس للتبريد والغسل.
والقول بالمفطرية هو ((المشهور شهرة عظيمة، بل ادعي الإجماع)) ([1])، وقد أحصى صاحب الحدائق عدة أقوال في المسألة فقال (قدس سره): ((وللأصحاب رضوان الله عليهم في هذه المسألة اختلاف زائد فذهب جملة منهم -الشيخان والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصاد وابن البراج إلى أنه موجب للقضاء والكفارة.
قال العلامة في المختلف ورواه ابن بابويه في كتابه، ونسبه في المبسوط إلى أظهر الروايات، ثم قال: وفي أصحابنا من قال إنه لا يفطر. وقال في الاستبصار: ولست أعرف حديثاً في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء. ونقل عن أبي الصلاح أنه يوجب القضاء خاصة، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنه محرم لا يوجب قضاءً ولا كفارة، واختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والسيد السند في المدارك. ونقل في المختلف عن علي بن بابويه أنه عدَّه في المفطرات، وذهب ابن إدريس إلى أنه ينقص الصوم ولا يبطله ونقله عن السيد المرتضى، ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل أيضاً. وقد تلخّص من ذلك أن الأقوال في المسألة أربعة: –
أولها: القول بإبطال الصوم ووجوب القضاء والكفارة.
ثانيها: القول بالتحريم خاصة مع صحة الصوم.
ثالثها: القول بالجواز على كراهة.
رابعها: القول بوجوب القضاء خاصة)) ([2]).
ووافق المشهور وهو القول الأول على نحو الجزم أو الاحتياط من المعاصرين السيد الخوئي والسيدان الشهيدان الصدران (قدس الله أسرارهم) والشيخ الفياض (دام ظله) في رسائلهم العملية. واختار السيد الحكيم (قدس سره) القول بالكراهة وهو الثالث.
واستدل المشهور بعدة روايات: (منها) صحيحة محمد بن مسلم قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء) ([3]). واستظهر منها وجوب القضاء والكفارة على من رمس راسه في الماء.
وفي مقابلها توجد عدة روايات أوجبت صرف ظهورها عن القول الأول لدى جمع من الفقهاء، ومن هذه الروايات موثقة إسحاق بن عمار: (رجل صائم ارتمس في الماء متعمداً، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال (عليه السلام): ليس عليه قضاؤه ولا يعودَنَّ) ([4]) وغيرها.
وبعد الجمع بين الطائفتين تشكلت أقوال أخرى في المسألة وهي: –
(الأول) إن الارتماس محرم تكليفاً ولا يقدح في صحة الصوم وقد ذهب لهذا القول المحقق الحلي (قدس سره) في الشرائع. والشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك.[5]
(الثاني) كراهية الارتماس، قال السيد الحكيم (قدس سره) في وجهه: ((والجمع العرفي بينهما- أي بين الطائفة الأولى من الروايات وموثقة إسحاق- يوجب حمل ما سبق على الكراهة، كما عن المرتضى في أحد قوليه وابن إدريس وغيرهما.
ويرى سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) إن القول بالكراهة أضعف الأقوال، وأحوطها قول المشهور بمفطرية الارتماس وأنه يوجب القضاء والكفارة، وهو قول قوي.
ولا يبعد القول بحرمة الارتماس على الصائم تكليفاً بمعنى أن مرتكبه يأثم من دون أن يوجب قضاءً ولا كفارة. ودليله الجمع بين روايات الطائفة الأولى الناهية عن الارتماس وموثقة إسحاق التي نفت وجوب القضاء.
أما صحيحة محمد بن مسلم فيضعف دلالتها الإجمال والترديد لوجود الرواية في موضع آخر من التهذيب بلفظ (ما يضرّ) التي يُفهم منها العتب لعدم تحمّل التكليف بالصوم مع يسره، وحينئذٍ يكون وروده مع المحرم في رواية واحدة منسجماً.
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، ج/3 ، ص 421 , والصادر عن دار الصادقين 1441-2020.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) مستمسك العروة الوثقى: 8/262. ونُسِب الإجماع إلى السيدين المرتضى وابن زهرة في الانتصار والغنية (رياض المسائل: 5/340).
([2]) الحدائق الناضرة: 13/133.
([3]) وسائل الشيعة: كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب1، ح1. ورد لفظ (ثلاث) في موضعين من التهذيب (ج4 الباب45، ح1، والباب54، ح1) وورد لفظ (أربع) في موضع آخر منه (ج4، الباب72 في الزيادات، ح39) وفي الأخير (ما يضرُّ) بدل (لا يضرُّ).
([4]) وسائل الشيعة، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 6، ح1.
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية