قال صاحب العروة الوثقى (قدس سره) : (لا يلحق بالتزويج في العدة وطء المعتدة شبهة من غير عقد بل ولا زنا ، إلا إذا كانت العدة رجعية) ووجهه عدم التنصيص والإلحاق ممنوع وإنما وردت الحرمة في من تزوج ، فوطء الشبهة والزنا غير مشمولين بعنوان التزويج وإنما استثنى ذات العدة الرجعية لأنها زوجة حكما على المشهور أو حقيقة على مختار السيد الخوئي فيكون الزنا بها من الزنا بذات البعل وهو موجب للحرمة الأبدية عندهم فهنا مسألتان: الأولى: أن الزنا بذات البعل موجب للحرمة الأبدية. الثاني: الزنا بالمعتدة هل يلحق بالزنا بذات البعل أم لا.
المسألة الأولـى الزنا بذات البعل : قال صاحب العروة : (إذا زنا بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه مؤبداً)) وهو حكم مشهور بين الأصحاب وقد توقف فيه المحقق الحلي (قدس سره) ووافقه السيد الخوئي (قدس سره) فقال : (والظاهر انه – أي توقف المحقق عن القول بالحرمة- في محله لعدم تمامية شيء مما استدل به لمذهب المشهور) وقد احتاط فيه السيدا الشهيد الصدر (قدس سره) وجوباً لكن الشيخ الفياض يستفاد منه الاحتياط الاستحبابي.
والرأي المختار لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في هذه المسألة هو الالتزام بحكم المشهور وذلك لأكثر من وجه للحكم:
1- أن المناط في الحرمة المؤبدة على من تزوج ذات بعل أو معتدة ودخل بها ولو جهلاً هو الدخول لا العقد – بحسب ما يستفاد من الروايات- وهو متحقق في الزنا.
2- أن بعض صور الحرمة المؤبدة في مسألة التزويج بذات البعل هي الزنا بعينه كمن عقد عالماً عامداً ولا قائل بالتفصيل بين صور الزنا فنتيجة هاتين المقدمتين حرمة ذات البعل إذا زنى بها حرمة مؤبدة اللهم إلا أن يقال أن هذه الصورة من الزنا إنما أوجبت الحرمة لان فيه عقداً وهذا العقد له موضوعية في الحكم وعلى أي حال فالعمل هو الالتزام بما قاله المشهور.
3- صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا (عليه السلام) ورواها إسحاق بن عمار عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال : قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) رجل تزوج امرأة متعة ثم وثب عليها أهلها فزوجوها بغير إذنها علانية والمرأة امرأة صدق كيف الحيلة ؟ قال : لا تمكّن من زوجها من نفسها حتى ينقضي شرطها وعدّتها , قلت : أن شرطها سنة ولا يصبر زوجها ولا أهلها سنة فقال : فليتقِ الله زوجها الأول , وليتصدق عليها بالأيام فإنها قد ابتليت والدار دار هدنة , والمؤمنون في تقية , قلت فانه تصدّق عليها بأيامها وانقضت عدتها كيف تصنع ؟ قال : إذا خلا الرجل بها فلتقل هي يا هذا أن أهلي وثبوا عليّ فزوجوني منك بغير أمري ولم يستأمروني وإني الآن قد رضيت فاستانف أنت الآن فتزوجني تزويجاً صحيحاً فيما بيني وبينك). وتقريب الاستدلال يتم بضم مقدمتين: أ- أن الإكراة كالجهل من حيث المعذورية والمسؤولية الشرعية. ب- أن المشكلة التي حاول الإمام (عليه السلام) إنقاذ المرأة منها هي الحرمة المؤبدة على الزوج الجديد التي تحصل بالدخول ولو مع الإكراه.
فإن المرأة لما كانت زانية لعلمها بأنها ذات بعل ترتب عليها الحكم بالحرمة والتعلم كان لها لا للزوج حتى يقال أن المسألة من صغريات من تزوج ذات بعل ودخل بها ولو جهلاً حرمت عليه مؤبداً.
المسألة الثانية: الزنا بذات العدة قال في العروة الوثقى والتعليق للسيد الخوئي (( إذا زنى بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه أبدا (لما تقدم من أنها زوجة فيترتب على الزنا بها جميع الأحكام المترتبة على الزنا بذات البعل)) دون البائنة وعدة الوفاة وعدة المتعة. (وكل ذلك لعدم شمول معقد الإجماع أو ما ذكر في الفقه الرضوي لها، فتكون مشمولة لأدلة الحل لا محالة، نعم، لصاحب الرياض (قدس سره) كلام في المقام: حاصله: أن دليل الحرمة في الزنا بذات البعل إذا كان هو الأولوية القطعية لم يكن هناك محيص عن الالتزام بثبوتها في المقام أيضا وذلك لان مجرد العقد على ذات العدة غير الرجعية مع العلم إذا كان موجباً لثبوت الحرمة الأبدية فثبوتها بالزنا يكون بطريق أولى قطعاً.
ويرى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي في هذه المسألة القول بالحرمة لأكثر من وجه منها:
1- أن النظر في الرواية الواردة في الحرمة المؤبدة على من عقد على ذات عدة – مطلقاً- ودخل بها ولو جهلاً تشعر بان المناط في الحكم هو الدخول وليس التزويج وان الإمام (عليه السلام) علق الحكم عليه ولا يوجد نظر إلى التزويج وان كان السائل قد ذكره.
2- أن بعض تلك الروايات سمت العملية زناً وأوجبت حد الزاني إذ لا قيمة للعقد لمن كان عالماً عامداً وهي صحيحة حمران قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك، قال: فقال: لا أرى عليها شيئاً ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ولا تحل له أبدا، قلت: فان كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثم تقدمت على ذلك، فقال: أن كانت قد تزوجته في عدة لزوجها الذي طلقها عليها (فيها) الرجعة فاني أرى أن عليها
الرجم فان كانت قد تزوجته في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة فاني أرى أن عليها حد الزاني ويفرق بينها وبين الذي تزوجها ولا تحل له أبدا).
ولا قائل بالفصل بين أقسام الزنا اللهم إلا أن يقال أن خصوص هذا الفرد من الزنا خارج لأنه فيه عقد ولهذا العقد موضوعية في الحكم. ولكن لما كانت هذه غير كافية لوحدها للخروج من أصالة الحل ولا إجماع أو شهرة في المسألة فيكون الحكم بالحرمة هو الأحوط الأولى.
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي , ج6, ص 168, والصادر عن دار الصادقين 1441هـ / 2020م.