ونحن نستقبل شهر محرم الحرام شهر التضحية والفداء في سبيل الإسلام، نرفع أسمى آيات العزاء إلى النبي الأعظم (ص) وآله المظلومين (ع)، ولاسيما بقية الله في الأرض وإمام العصر الإمام المهدي المنتظر (عج).
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويجعلنا من أنصاره وأعوانه، حينما يأذن له بأخذ ثأره من الظالمين، ويطهر الأرض منهم، ويملؤها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وبعد..
مما لا شك فيه أنّ المسؤولية الملقاة على عاتق خطباء المنبر الحسيني الشريف مسؤولية كبيرة وخطيرة، وينشأ هذا الخطر من عدة مناشئ :
أولها، إنّ للمنبر الشريف هيبة كبيرة ومكانة عظيمة في نفوس محبي أهل البيت (ع) مستمدة من هيبة ومكانة صاحبه (ع).
ثانيها، إنّ المنبر الشريف مملكة سيد الشهداء الحسين (ع) الخاصة، وما الخطيب إلا خادم صغير في رحاب هذه المملكة العظيمة، وعليهِ فإنه لا يجوز له التصرف في المنبر الشريف بأيّ نحوٍ من أنحاء التصرف الا بإحراز رضا مالكه (ع).
كما إنّ الكلمة الصادرة من أيّ متكلم ينبغي أن تكون كلمةً مسؤولة، فكيف إذا كان المتكلم يتكلم باسم الحسين (ع) وعبر منبره الشريف فإنّ مسؤولية كلمته تتأكد وتتضاعف.
والأمر الآخر، أن المرحلة الراهنة التي نعيشها هي مرحلةٌ مهمة وخطيرة، في ظلّ تصاعد المستوى الثقافي للجماهير وكثرة الفتن والشبهات وتشكيك البعض في جدوائيته، لذا بات المنبر الحسيني بحاجةٍ ماسة إلى إثبات الذات، وإعادة ثقة مجموعة من جماهيره بقوته وفاعليته وحضوره.
ولايختلف اثنان عن أن منبر اليوم لم يعد كمنبر الأمس أسير لحظته، بل صار في ظل الإنفتاح الإعلامي المتمدد عابراً للقارات، حيث يصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى الملايين من الجماهير في مختلف نقاط العالم.
وعلى ضوء هذه المناشئ ينبغي للخطيب الحسيني أن يراجع نفسه ويسألها، هل هو ممن يحفظ للمنبر هيبته ومكانته وأصالته أم لا؟، وهل هو بأدائه وأطواره ومواضيعه محافظ على حدود المملكة الحسينية؟، أم هو مخترق لحدودها ومتجاوز عليها؟، وهل هو ممن يُخضِع كلّ كلمة تصدر عنه للمحاسبة الدقيقة؟، أم يطلق لها العنان لتنطلق كيفما تنطلق؟.
وهل هو ممن يحمل همّ ترسيخ ثقة الجماهير بقوة المنبر الشريف وجدوائيته؟، أم هو ممن يساهم في تثبيت نظرة الاستخفاف والاستهانة به؟.
وكذلك رؤيته هل تكون مقصورة على خطابته في حدودها الزمانية والمكانية؟، أم يلحظ امتدادها الزماني والمكاني وما يترتب على كل ذلك من آثار؟.
ومن جميع ذلك يتضح أنّ التشرف بالخطابة وخدمة سيد الشهداء الحسين (ع) عبر منبره الشريف، يقتضي التعهّد بين يدي الله تعالى والحسين (ع) بحمل مسؤولية جسيمة وكبيرة، وهذا المعاهدة المقدّسة تستدعي من الخطيب الاهتمام بعدة واجبات، وعدم التسامح فيها، وهي:
الواجب الأول: يتضمن الإخلاص لله تعالى ولسيد الشهداء (ع)، لينأى الخطيب عن المحاباة لأي أحد، ويكون هدفه الأول والأخير هو إرضاء الله تعالى وأوليائه (ع) .
الواجب الثاني: إتقان الصنعة، وبذل قصارى الجهد في أدائها، وعدم التسامح في أداء الخطابة بأي نحو اتفق، بحيث تفقد الخطابة قيمتها ومحتواها.
الواجب الثالث : الاهتمام بالتعلم والمعرفة والقراءة والمطالعة المتنوعة بالمقدار الذي يؤهل الخطيب لمخاطبة الجماهير.
الواجب الرابع: أن يركز على الاهتمام البالغ بإعداد المواضيع المنبرية، وبذل غاية الجهد في ترتيبها وإشباعها بالمعلومات النافعة.
الواجب الخامس: الاهتمام باختيار القصائد والأبيات المتناسبة مع هيبة وشموخ اهل البيت (ع).
الواجب السادس: التثبت من أيّ معلومة يريد الخطيب أن يوصلها للآخرين، والتدقيق في كل فكرة بل في كل كلمة وعبارة ينوي بيانها والتفوه بها.
فضلاً عن أن يلحظ الخطيب مستواه الثقافي والمعرفي من ناحية، ومستوى الجمهور الذي بين يديه من ناحية أخرى، فلا يتصدى لما لا أهلية له فيه، ولا يقحم جمهوره فيما لا يستفيدون منه، فإنه مُساءل عن كل ذلك.
وإننا من منطلق هذا الواجب نهيب بإخواننا الخطباء وكذلك الشعراء الحسينيين أن يهتموا ببناء القصيدة المنبرية سبكاً ومضموناً، فإنّ الخلود نصيب القصيدة المتقنة والمركزة، والتي تعدل عشرات القصائد المشبعة بالحشو والمعاني المبتذلة، والمجردة عن سلاسة السبك وجمال المضمون.
والحمد لله رب العالمين.
إدارة صفحة جامعة الباقر (ع) للعلوم الدينية