في أجواء تتعدد فيها أساليب النقد وتُطرح فيها الشبهات أحيانًا بعيدًا عن سياقاتها العلمية، يُحاول البعض تسفيه قيمة العلم الأكاديمي وإظهاره بمظهر التناقض مع الدراسة الحوزوية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك: إثارة الشبهات حول شهادة الهندسة التي يحملها سماحة الشيخ اليعقوبي، مدّعين أنها دليل على ضعف علمي أو حجّة يتذرع بها أتباعه
ولكن هل حقًا وجود شهادة أكاديمية لدى الفقيه يُقلل من شأن اجتهاده؟ أم أن الفقه، في تطوره الحديث، بات يحتاج إلى تكامل معرفي يواكب تحديات العصر العلمية والفكرية؟
–
1. الشبهة بين الوهم والواقع
ينطلق خصوم الشيخ اليعقوبي في إثارة هذه الشبهة من مغالطة واضحة، إذ يزعمون أن شهادة الهندسة تُطرح كدليل على اجتهاده العلمي، وهو ادعاء لا أساس له. فالاجتهاد والمرجعية في الحوزة العلمية تقوم على ضوابط شرعية وعلمية صارمة لا علاقة لها بالتحصيل الأكاديمي، بل ترتكز على عمق الدراسة الفقهية والأصولية.
إن أتباع الشيخ اليعقوبي لم يحتجوا يومًا بشهادة الهندسة كدليل على اجتهاده، بل إن مسيرة سماحته العلمية وخطواته في تحصيل الاجتهاد، وفق المنهج الحوزوي، واضحة للعيان.
2. الهندسة: أداة وليست غاية
القول بأن “كثرة المهندسين” تقلل من قيمة الهندسة هو تسطيح للموضوع ، الهندسة ليست مجرد مهنة تقليدية بل هي علم يُدرّب الذهن على التفكير المنطقي والتحليل الرياضي، مما يُعزز قدرات الفقيه في المسائل التي تحتاج إلى دقة علمية.
فمسائل مثل تقسيم المواريث، المواقيت الشرعية (الخسوف، الكسوف، تأخر الفجر في المناطق القطبية)، والتحقيق في قضايا علمية تحتاج إلى عقل مدرّب على التحليل ، الهندسة هنا ليست بديلًا عن الفقاهة بل أداة مساعدة تُثري قدرة الفقيه على التمييز الدقيق في مواضيع المسائل الفقهية.
3. المرجعية وتحديات العصر
● إن المرجع الديني ليس “مفتيًا تقليديًا” يُعيد إنتاج الفتاوى دون فهم عميق للموضوعات المطروحة. بل المرجع قائد فكري ومجتمعي يُواكب تطور حاجات الناس ويواجه التحديات الحديثة.
● القضايا العلمية مثل الاكتشافات الفلكية، تفسيرات الطبيعة، أو الإشكالات حول الدين والعلم، تحتاج إلى مرجع واسع الأفق قادر على التفاعل مع العلوم الحديثة.
● إهمال الدراسة الأكاديمية بحجة “أنها اختلاط بالدنيا” أو “تضييع للوقت” ليس منطقًا سليمًا؛ بل الإسلام يدعو إلى طلب العلم النافع بكل أشكاله.
4. تكامل العلم والمعرفة
● الشيخ اليعقوبي يُمثل نموذجًا للمرجع القادر على الجمع بين العمق الحوزوي والدراية العلمية، مما يجعله أكثر قدرة على فهم موضوعات المسائل الفقهية بدقة عالية بعيدًا عن التسطيح.
● الهندسة لا تُصنع الفقيه، ولكنها تُضيف للفقيه قدرة على التعامل مع المسائل الدقيقة المعقدة. فالاجتهاد اليوم لا يقتصر على الطهارة والصلاة، بل هو مسؤولية مستمرة في قيادة المجتمع وتقديم حلول ملائمة لعصره.
الخاتمة:
إن إثارة الشبهات حول شهادة الهندسة للشيخ اليعقوبي تكشف عن أسلوب ضعيف في محاولة النيل من شخصيته العلمية. فالمرجعية الحقة تتطلب تكاملًا معرفيًا يُمكّن المرجع من فهم قضايا الناس ومعالجة التحديات الفكرية والعلمية بوعي ودقة.
الهندسة ليست منقصة للفقيه، بل إضافة تُعزز أدواته الفكرية، وبدلًا من تسفيه هذه القيم، علينا أن نُدرك أن العلم بمختلف مجالاته يخدم الدين ويُثري مسيرته، ليبقى الإسلام قادرًا على مواكبة كل عصر وزمان.
بقلم الاستاذ جعفر العذاري