إن من جملة صفات المعصوم الوقار و الهيبة التي تعكس عظمته وشموخه والفيوضات الروحية التي تصدر منه فتحير كل من ينظر إليه، لأنها آثار الأنبياء والأوصياء والعظماء حيث أن النور والبهاء والجمال المعنوي وحسن الكلام وفصل الخطاب وعذوبة اللسان وفصاحة المنطق ورصيد الكمال المختزل فيه تجعل الآخرين يقفون بكل أحترام له وهو الإمام المعصوم.
يقول محمد بن الحسن الأشتر العلوي:
كنت مع أبي على باب المتوكل العباسي في جمع من الناس، وبينما نحن كذلك إذ جاء أبو الحسن الهادي عليه السلام فوقف له الناس كلهم إجلالا وإكبارا حتى دخل القصر، فقال بعض الناس ممن يبغض الإمام ويحسده: لمَ نترجل، لهذا الغلام؟ ما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً والله لا نترجل له إذا خرج فقال له أبو هاشم وهو من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام: والله لتترجلن له صغارا وذلة وعندما خرج الإمام علت الأصوات بالتكبير والتهليل وقام الناس كلهم تعظيما للإمام.
فقال أبو هاشم للقوم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟
فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا.
«حق ٌ على من فقد إمامه المسير على نهجه القويم والمضي على مبادئه»
التهجير من المدينة المنورة الى سامراء:
ان الإمام علي النقي عليه السلام ولد ونشأ في المدينة ولما استشهد أبوه كان عمره الشريف ثماني سنين، فانتقلت الإمامة إليه، فكان في المدينة إلى أيام جعفر المتوكل، فدعاه إلى سر من رأى وذلك ان بريحة العباسي كتب إلى المتوكل: «ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير».
ثم كتب إليه بهذا المعنى جمع آخر، وكان عبد الله بن محمد ـ والي المدينة ـ يؤذي الإمام كثيراً، وكتب كتباً إلى المتوكل سعى فيها بالإمام علي النقي عليه السلام حتى غضب المتوكل، فلما أحس الإمام بفعل الوالي وسعايته به كتب كتاباً إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به.
فأجاب المتوكل لمصلحة في نفسه على كتاب الإمام عليه السلام بدقة ولطف وزاد في إكرام الإمام وعظَّمه فيه، وكتب فيما كتب: «…. فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى … إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك… وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك… .
فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت، شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهله وطمأنينة، وترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت، فإن أحببت أن يكون يحيى بين هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون بمسيرك، فالأمر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك.
فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين فما أحد من أخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق، وبهم أبر، وأليهم أسكن منه إليك وكتب إبراهيم بن العباس في جمادى الأخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين».