بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي ( دام ظله الوارف ) : فاطمة ( عليها السلام ) الكوثر ج2
الركن الرابع – الجود بالثمن الأشياء في سبيل العقيدة و الدين..
ويكمل (دام ظله): ” وعندما عزمت قريش على استئصال وجود رسول الله (ص) في مكة وأمره ربه بالهجرة إلى المدينة فخرج (ص) وخلف عليا (ع) في فراشه للتمويه على الأعداء ثم لحقه بالفواطم نهارا على مرأى ومسمع من طواغيت قريش الذين شعروا بالذل والهوان من هذا التحدي فأخرجت مجموعة مقاتلة لإعادة علي والنساء إلى مكة فواجههم أمير المؤمنين (ع) وقتل مقدمتهم فولوا منهزمين , وكانت الزهراء (ع) في ذلك الركب وتلك الرحلة الشاقة المحفوظة بالخاطر ” لا يمكن أن تكتمل شخصية الرسالي إذا لم يقدم أثمن الأشياء من أجل الدين و العقيدة و القرآن و الرسول (ص) .
فكانت (ع) تجود وتضحي تطبيقا لقوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فان الله به عليم ) ( آل عمران :92 ) فكل إنسان يحب روحه ووجوده ولكنها (ع) لم تحب روحها بل قدمتها في سبيل العقيدة لان قريش أرسلت من لا يتورع عن قتل النساء و الأطفال ولكنها (ع) شاركت بتلك الرحلة الخطرة .
ويكمل (دام ظله ):
” وفي المدينة المنورة توسعت المسؤولية وتنوعت أكثر فقد بدأ الجهاد من اجل بناء الدولة الإسلامية وبناء الأمة الإسلامية وبناء الأسرة الصالحة و المواجهة المسلحة مع أعداء الرسالة و الدولة الفتية وكانت الزهراء في قلب هذه المسؤولية وقطب الرحى منها ” الشيخ يشير هنا إلى فكرة حساسة وهي إن العقلية الشيعية معروف انها عقلية معارضة بحيث انه لا ينفع إلا للمعارضة وأطلقوا على الشيعة اسم ( الرافضة ) كأنها ترفض كل قانون يصدره حاكم سواء كان بني أمية أو بني العباس أو غيرها ولكن تلك فكرة خاطئة فها هي الزهراء (ع) كما نجحت في مرحلة التحدي فقد نجحت في مرحلة البناء وهي أيضا مرحلتنا في الوقت الحاضر فمرحلتنا اليوم مرحلة البناء للمجتمع الإسلامي .
الركن الخامس – التعامل بأقصى حد مع الحكم الشرعي . ويكمل (دام ظله ) :
” فهي المجاهدة التي تخرج مع أبيها رسول الله (ص) وزوجها المؤمنين في المعركة لتداوي الجرح وتخفف الألم وتقدم المساعدة وتجهز عدة القتال ” فمجرد أن تسمع المرأة بموضوع الجهاد فهي تبتعد عنه ولا تتعامل معه لا من قريب ولا من بعبد لكن الزهراء (ع) لم تكن كذلك فكانت تتعامل بأقصى حد ممكن مع النص الشرعي , وأين توقفها الشريعة تتوقف أإن هناك مساحة للحركة أعطاها لها النص الشرعي فهي تستغل تلك المساحة , وخير شاهد على ذلك خروجها في المعركة , ولكن ليس لغرض الجهاد بل لأمور أخرى سمح بها الشارع المقدس لأن السيدة الزهراء (ع) امرأة وساقط عنها الجهاد , لأن الجهاد وجوبه منصب على الرجل دون المرأة , فتعطي (ع) الدروس للرجل و المرأة بتسخير النص الشرعي للمصالح العامة وليس الخاصة فقط فمثلا لا يتوقف الزوج ضمن حدود الواجب في تعامله مع المرأة وكذلك هي , فلا يقول الرجل إن واجبي فقط توفير المأكل و المشرب والمسكن فقط ويسخر الحكم الشرعي لمصلحته الشخصية بل نسأله أين الحنان للزوجة ومساهمتها بالأمور المنزلية وإدخال السرور على قلبها وعلى قلب الأطفال ؟
وكذلك الزوجة التي تقول إن علي فقط واجبين اتجاه الزوج وهما وجوب التمكن وعدم الخروج إلا بإذنه, فنسألها أين الاحترام للزوج وإزاحة الهموم عنه ؟
فلماذا لا تكونوا كالزهراء (ع) التي استغلت أكبر مساحة ممكنة وفرها لها الحكم الشرعي ؟ .
الركن السادس – الشمولية و الاستيعاب لكل أبعاد الحياة :- ويكمل (دام ظله):
” وهي الأم التي تعين ولديها سبطي رسول الله (ص) وسيدي شباب أهل الجنة وتسير لهم سبل الكمال، ففي كتاب مفاتيح الجنان أنها كانت توفر لهما قسطا من الراحة في النهار ليتقويا على إحياء الليل بالعبادة خصوصا في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان بالعبادة” أي أنها (ع) لم يكن يتنامى لديها بعد دون البعد الآخر بل الأبعاد كلها تتنامى لديها جميعا بشكل واضح ومرتب .
فقد تمر بالرسالي ظروف قهرية فتضطرب حالته ولكنها ســــرعان ما تترتب وتعود للتنظيم لكن الزهراء (ع) حتى الاضطرابات المؤقتة لم تحدث لديها بل لديها شمولية كاملة ويكمن ذلك ضمن ثلاث أبعاد :
البعد الأول : الزهراء(ع) كأم” فكما كانت (ع) تجهز عدة القتال وكانت امرأة معارضة فهي كانت أيضا تتعامل كأم ، وتوجد لدينا فكرة في زماننا وهى أن الزوجين يسعيان للحصول على الأولاد حتى يساعدوهم و يخففوا عنهم المسؤوليات وتحمل الأعباء فيبدؤا بتكليف الصبي أذا وصل إلى سن 14 أو15 سنة أما هي (ع) كانت على العكس من ذلك كانت ترفع المسؤوليات عن الحسن والحسين (ع) وكانت تجعلهم في راحة بالنهار وهي تتحمل أعباء المنزل حتى يستيقظوا ويحيوا الليل بالعبادة إلى الصباح وخاصة في العشر الأواخر فأنها كانت تنظر نظرة بعيدة المدى وهي ان الحسنان يصلان إلى مراحل عالية من التكامل و الارتقاء مما يؤدي الى ان الأمة تنتفع من نتاجاتهما ليس فقط في جيلهما بل في كل جيل وأبرز تلك النتاجات هو وجود قائم آل محمد الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمة الفداء ) .
البعد الثاني :- الزهراء (ع) كزوجة : ويكمل (دام ظله ) :” وهي الزوجة الصالحة المتكاملة وقد شهد لعا بذلك أمير المؤمنين (ع) حين سألته وهي توصي في ساعاتها الأخيرة :(يا أبن العم ما عهدتني كاذبة أو خائنة أو خالفتك منذ عاشرتني ) وقد جمعت (ع) بسؤالها كل أسباب الخلافات التي تحصل بين الزوجين وتؤدي إلى انهيار بيت الزوجية ” نلاحظ إن الزهراء (ع) بالرغم من جلالة قدرها وهي محور عالم الإمكان وهي روح النبي (ص) فهي تتواضع لزوجها فالتواضع أولى الخطوات لحل المشاكل الزوجية لأن التكبر و التعالي واللا تنازل تؤدي إلى تضخيم المشكلة وصعوبة علاجها لأن كل منهما ينتظر من الأخر أن يتنازل فكل مشكلة ترجع إلى هذه الصفة السلبية فنرى كيف إن الزهراء (ع) تبدأ الكلام بمنتهى الأدب و التهذيب ولا تنظر إلى نفسها وجلالة قدرها وتنظر إلى علي (ع) كزوج وتؤكد على المعادلة ” (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) ( النساء :34 ).
فذكرت (ع) ثلاث أسباب للمشاكل الزوجية الكذب والخيانة المخالفة إذا صدرت من الزوجة اتجاه الزوج , وكذلك (ع) كانت متواضعة إلى درجة أنها تسأل من خلال إلصاق صفات لنفسها لا تلصقها المرأة العادة لنفسها فمع ذلك هي لا ترى نفسها ونتخيل إنها كانت مطرقة برأسها أمام علي (ع) عندما كانت تتكلم بتلك الكلمات .
ونرى بالمقابل مهمة ومسؤولية الزوج في حل المشكلة الزوجية فإن الزوجة إذا تحركت خطوة اتجاهه فعليه بالمقابل أن يتحرك خطوتين فنرى ذلك من خلال جوابه (ع) : ( معاذ الله أنت أبر وأوفى وأتقى من إن أوبخك بمخالفتي ) فهو يرد على كل صفة بصفة مضادة بالإضافة إلى انه (ع) جعلها بصيغة اسم تفضيل فمثلا هو ينفي عنها الكذب كخطوة أولى ويصفها بأنها (أبر) كخطوة ثانية فمن خلال تلك المحاورة بين هذين الأسوتين للحياة الزوجية السعيدة لا نحتاج بعدها إلى أطباء نفسانيين ومحللين وأساتذة لحل المشاكل الزوجية .
من إصدارات جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية / فرع الناصرية