بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
قرآءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف): فاطمة (عليها السلام ) الكوثر :ج3
ويكمل (دام ظله ):(وهي العابدة التي تزهر في محرابها أنسا بلقاء ربها : قال الامام الحسن (ع): (رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء ،فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ – فقالت: يابني الجار ثم الدار )
الركن الثامن : العبودية للرسالي
توجد عدة افكار ضمن هذا الركن :
الفكرة الأولى : عندما قال (ع) :(رأيت امي فاطمة قامت في محرابها )فهي إشارة إلى فكرة لطيفة عندما تتسائل الأمهات عن الطريقة المثالية لتربية الطفل؟ إن الطريقة الأفضل تبينها لنا (ع)من خلال المشاهدة الحسية حينما تجعل ابنها يشاهد صلاتها فاذا شاهد الطفل والدته فانه سيتاثر تاثر كبير بذلك وخاصة اذا كانت الام عابدة زاهدة .
وعندما تسلك الأم هذا السلوك فإنها لاتحتاج بعد ذلك أن تقرأ الكتب الخاصة بتربية الطفل وتستعين بمحللين نفسانين و أساتذة متخصصين بعدما علمت أن أفضل الأشياء أن تجعل أبنائها يراقبون عبادتها وذلك لأهمية ذلك الأمر من جهتين :
الجهة الأولى :إن لهذا الفعل تاثير غيبي تظهر مؤثريته على الطفل .
الجهة الثانية :إن هذا الفعل فعل واضح وظاهر جدا فبالتالي يكون تأثيره أكبر على الطفل.
الفكرة الثانية :ـإن صلاة الليل من الأمور العظيمة وهي أحد أساليب تكاملها (ع)فلا نتوقع تكامل إنسان بدون هذه التربية الليلية .
وهي (ع)كانت ملتفتة لذلك وقد يتصور البعض أن المقصود من هذه التربية فقط ثلاث ركعات أو إحدى عشر ركعة فإن نفس تلك الفكرة فيها خلل ، صحيح بحسب الفريضة و الأصل المستحب هو أحدى عشر ركعة ولكن إذا أخذنا أعمال الليل وليس صلاة الليل فإن هناك اختلاف بينهما .
وسر ذلك الاختلاف أن الإنسان عندما يصلي ال 11 ركعة فستكون ثقيلة ولا يكون فيها إنس لأن الانتصار الحقيقي على النفس ليس بعدد الركعات بل بحالة الإنس التي يعيشها المصلي .
وتنطبق تلك الحالة على الإمام علي (ع) الذي وصف بأنه (ع) ” يستوحش من الدنيا وزينتها يستأنس بالليل ووحشته ” فكان (ع) يستوحش من طلوع الفجر وتحرك الناس وظهور النهار ,لذلك نستطيع أن نفهم حركتها (ع) عندما يقول الشيخ أنها كانت تحيي الليل حتى طلوع الفجر لتولد حاله الأنس لديها التي جعلتها لا تنقطع عن الصلاة وتستمر إلى الفجر , وهذا يفسر لنا ما ورد في الأحاديث الشريفة لماذا الإنسان إذا نام وفاتته صلاة الليل واستيقظ وهو متالم لذلك فانه يعطى نفس الثواب لو كان مصليا ً لها والسبب لأن حاله الإنس موجودة عنده .
ولكن أغلب الناس قد تحصل لديه هذه الحالة مرة واحدة في ليلة القدر وقد يستثقل منها وبعدد ركعاتها لكن يجب على الرسالي أن يجعل من قيام الليل سنه وعادة جارية له وتكون ليالي القدر هي ليالي الجمع اي كل ليلة جمعة هي ليلة قدر ويصلي فيها المائة ركعة كخطوة اولية بعدها ستكون الليالي التالية كلها أنس .
وقد يتساءل الرسالي عن الطريقة التي تجعله يحقق تلك النتائج ؟ والجواب يكون من خلال تطبيق معادلة بسيطة بين الأكل وصلاة الليل , وكما هو المعروف عن مجتمعاتنا انها ليست دينية بالمعنى الحقيقي وتتبع الاتكيت المتعارف وهو ان وجبة الفطور تكون في الصباح بعد النهوض من النوم مباشرة و الغداء الساعة الواحدة ظهراً و العشاء بعدالغروب وكلها برامج خاطئة وغير صحيحة وعادات موروثة لذلك لا تظهر بسببها النتاجات المرجوة.
والحل أن يطبق الرسالي معادلة بسيطة بأن يجري تناسب عكسي بين الأكل وصلاة الليل وهي معادلة طبية فسلجية : إن الإنسان اذا جاع فإنه لا يستطيع النوم لأنه ينام في أغلب الأحيان إذا شبع فعلية أن يجري ذلك التغير في حياته فيحصل له ما يحصل للزهراء (ع)بان يجعل برنامجه الغذائي اليمي على شكل وجبات متباعدة فمثلا بدلا أن تكون وجبة الغذاء الساعة الواحدة تكون الساعة الرابعة او الخامسة فنتدفع تلقائيا وجبة العشاء التي ستكون الساعة الثانية عشر او الواحدة فبهذه الفترة لا يستطيع النوم ، لذلك نسمع عن علي (ع) انه كان ليلة من اليالي يضع حجر على بطنه ويلفه عليها ولا يتعشى مادام ملفوفا على بطنه فذلك يعني انه لاينام اي انه يحيي تلك الليالي .
الفكرة الثالثة :ــ ماهي الطاقة الموجودة في الليل ؟ القران الكريم بين ان الليل يحوي على طاقة عالية ويمكن تفسير ذلك تفسير بسيط ان الانسان ينشغل في النهار بالجزئيات اما في الليل فان تلك الظاهرة غير موجودة وبحسب ما تفسره الفلسفة ان الروح الانسانية اذا انشغلت قيدت واذا لم تنشغل لم تقيد وروح الانسان في الليل اكثر حرية وسعة .
الفكرة الرابعة :الجهاد والمجاهدة
إن الانسان بطبيعته يميل إلى الفراش وخصوصا في ظرفنا الحالي إذا جاءت الكهرباء فيقول هي فرصة للنوم وكذلك في أيام البرد التي يبحث الإنسان فيها عن الدفء ، ولكن يمكن للإنسان يدفع تلك الأفكار ببرهان بسيط بأن يسال نفسه : ما الذي أحصل عليه من ذلك الفعل ؟ وماذا يحصل لو نمت أربع ساعات بدلا من الثمان او السبع ساعات ؟ وماذ استفيد من الأربع ساعات الاضافية ؟! بل أن أي استفادة حقيقية لاتوجد فكلها من نتاج الوهم لأن الوهم يوهم النفس بانها سترتاح لكن الإنسان إذا جاهد فإنه سيرى النتاجات كما قال تعالى “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ” فنفهم من الآيه سر السهر والتأخير النوم والأكل ولو بمستوى بسيط فإنها تعطي الإنسان شيء كثيرة يعرفها في وقتها لذلك الزهراء(ع) لم تنس أهمية الليل في بناء الانسان وبذلك نعرف ان عظماء الخلق سر بناءهم هو الليل .
الفكرة الخامسة : ما العلة التي جعلت الزهراء (ع) تدعو للغير ولا تدعو لنفسها ؟ أبسط شيء نفهمه من ذلك الفعل أن هناك رفيق رافقها (ع) طوال حياتها وهي “اللاانانية ” وكما هو المتعارف أنه يستحب الدعاء لأربعين مؤمن ومؤمنة في قنوت صلاة الليل والسبب في ذلك هو قتل الأنانية وتهذيب النفس لأنه قد يكون الإنسان مختلف مع أحد هؤلاء الأربعين كزوجة مؤمنة مختلفة مع زوجها فهي تدعو له ونفس ذلك الدعاء يحل الخلاف بينهما وأي إنسان يذكر أخوة له في الدعاء وهناك مشكلة بينهم وبينه فإن ذلك الدعاء سيحل المشكلة لان النفس تتحرر من الحقد والكره . فالدعاء في جوف الليل للاخوة هو تنقية للقلب وتطهيره من الانانية والضغينة . فهي (ع) كانت ملتفتة لذلك بالأضافة الى انها كانت تسميهم فالتسمية بالدعاء يمكن الفهم منه حكمة مهمة وهي ان المؤمن اذا وقع بينه وبين الاخرين خلاف معين فانه حين يسمع باسم من وقع الخلاف معه تحصل لديه حالة من الانزعاج وامور قلبيه سيئة فالله تبارك وتعالى يقول للانسان اذكر ذلك الاسم بالدعاء حتى تحصل تلك الحاله وتغلب عليها الى ان تزول ولا تكن ضعيفا امام اسم يذكر امامك ، ويحل محل الغيض في القلب الغبطة والسرور لذلك الشخص المقابل وركز على ذكر الاسم الى ان تشعر انك بدات تحبه وتشفق عليه فبهذه الطريقة ينظف قلبك وهذا هو الفوز العظيم الذي اكد عليه القران الكريم .
الفكرة السادسة :ـــ أنها (ع) لو دعت بأي دعاء فبالتأكيد أنه يستجاب والنفس تحب أن يستجاب دعائها لكنها (ع) كانت ترىا ذا اتاها خير في الصلاة فأنها تعطيه لغيلرها وهذا ما يؤلم النفس اكثر وهو اسلوب الجهاد لديها (ع).
فالحذر كل الحذر من النفس وعلى الرسالي أن يراقب نفسه دائما فهي كالذئب إذا تغفل عنه لحظة واحدة فإنه ستنهشك .
من إصدارات جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية / فرع الناصرية