بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف) :فاطمة (عليها السلام) الكوثر:ج5
الركن العاشر: الإستكانة والتواضع عند الرسالي
وهذا الركن أيضاً نتعلمه من الرسول(ص وآله) عندما يعلمه للزهراء(ع) فقد يكون غريباً عند سماعنا الرسول (ص وآله) يقول عند رؤيته القلادة في عُنق الزهراء (ع) “لايقول الناس أن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة”
أين هو يا ترى لباس الجبابرة؟!
لكن الرسول(ص) يلفت نظر الرسالي إلى مسألة مهمة وهي أن العمل الرسالي يحتاج إلى عنصر أساسي متعلق بصفات وسلوكيات الرسالي وذلك العنصر مرتبط به دائما ًوغير مسموح أن يختفي منه ولو للحظة واحدة _وإن كانت الصفات الأُخرى قد تختفي في بعض لأحيان_ وهو عنصر الإستكانة والتواضع. فمثلاً ممكن أن يختفي النظر الثاقب لكن التواضع والإستكانة غير مسموح لها بالإختفاء ولو لوقت قصير.حيث عبََر(ص وآله) بلفظة “الجبابرة” وربطها بالقلادة موضحاً العلاقة الغريبة الناشئة بين شيئين هما(الملبس والتكبر). فإن تلك القوانين ذكرها أهل البيت(ع)بشدة بأحاديثهم وعلى الرسالي الاَ يستهين بمؤثرية الملبس في العمل الرسالي والمقصود به الملبس بمعناه الظاهري لابمعناه الرمزي أو الإعتباري وذلك لتأثيره المباشرة على قلب الرسالي وكما ورد ذلك عن أمير المؤمنين(ع) عندما سُئل عن ملبسه المتواضع فقال (ع) “يخشع له القلب وتذل به النفس”لحد الآن ذكر المعنى الباطني ،فالنتيجة النهائية”ويقتدي به المؤمنون”أي نفهم من كلماته (ع)أمرين:
الأمر الأول:تأثير الملبس على القلب.
الأمر الثاني: يكون ذلك المؤمن المتواضع قدوة يقتدي المؤمنون ، أي يقتدون بالروح الجديدة التي تتولد لديه بعد لبسه ذلك اللباس الخارجي.
إن هناك أُمور معينة تدمر العمل الرسالي و تنسفه نسفاً شديد منها الأفكار الخاطئة والفهم الغير صحيح لمفاهيم معينة كتلك المفاهيم التي نطرحها هنا لأنه قد يتصور البعض أن االمقصود بذلك الكلام هو التشجيع على إرتداء الثياب المبهذلة والحقيرة ولكن ذلك فهم خاطئ بل الأُمة التي بُعث لها الرسول(ص وآله) هي أُمة (وسطاً) أي يجب علينا أن نأخذ التصورات القرآنية الصحيحة أي لا نرتفع عن الأُمة الوسط ولا ننزل ، فالفهم الخاطئ هو خطر جداً. ولتوضيح تلك الأمورعملياً نقول أن الإنسان إذا كان منظره جميل وملبسه أنيق _كما هو حاصل لكلا الجنسين في زماننا_فمباشرةً تحصل عنده الرغبة الداخلية بأن تُُسلط عليه الأضواء وأن يراه الآخرون بإستمرار ولا يحب الجلوس لوحده في مكان معين أو الخلوة ، ولا تقع لهكذا إنسان حالة الأُنس مع الله تعالى لأنها لا تتلائم معه فنستطيع أن نحكم أن كل تصرفاته القلبية غير صحيحة .إذن كل تصورات الإنسات يتحكم بها الملبس و المظهر الخارجي.ونتساءل ما علاقة الملبس الجميل بالتكبر؟
إن فهمنا ضدهما فهمنا سر العلاقة بينهما ،إنَ الملبس البسيط إن إرتداه الإنسان فإنه يشعر بعدم الرغبة بالإحتكاك مع الآخرين بكثرة ، بسبب ملبسه المتواضع ويحب الإُنس بالله تعالى لأن الآخرون يمتلكون من الملبس ما لا يمتلكه وبالتالي لاتُلفت له الأنظار ولا تُسلط عليه الأضواء ويرى نفسه صغير ويحصل عنده الإنكسار الداخلي وهو قد يكون نفس ما أشار له الإمام علي (ع) بقوله:” يخشع له القلب وتذل به النفس”لأن مع الملبس البسيط يخشع القلب أما قسوته تتولد عند لبس الملابس الجميلة وتسليط الأضواء عليه وكل هذه المفاهيم نِعم وفتوحات يفتحها لنا أهل البيت(ع). فتخلق التربية الحالية التي يسير بها المجتمع مجتمعاً منحرفاً وهي تربية خطرة جداً وتميت االقلب والروح، والناس لاتدري وغير ملتفتة لسبب قسوة القلوب والأرواح في الوقت الحاضر، والأفكار التي ممكن أن تؤثر عليها من الخارج وخاصة الذين يمتلكون العلم الذي قد يقود الى التكبر والتعالي فعليهم تذليل النفس وإكسار القلب وتخشيعه بواسطة الملبس المتواضع لأن العلم خطر جداً إذا بقي بدون تهذيب حيث كان العلماء من السلف الصالح يقومون بأعمال غريبة حتى يحصلوا على تلك الحالات فمثلاً كانوا يقومون بتنظيف أماكن التخلي بأيديهم في المدارس التي يسكنون فيها لا لشيئ الاَ َللوصول الى تلك الحالات لأنها ثمينة جداً وغالية.وقد ينقدح في الذهن سؤال لماذا عبر(ص وآله) بلفظ(الجبابرة)؟
لأن أي شيئ ذو قيمة مادية عالية وثمن مرتفع فإن القلب لا يخشع بسببه وهذا يكون بداية التكبر والتجبر والتعالي ،فالزهراء(ع) كانت بين المطرقة والسندان بين علي (ع) زوجها الذي أهدى لها القلادة وبين الرغبة بالحصول على الحالات المعنوية العالية التي تتولد بعدم لبس تلك القلادة فكأنما كانت تنتظر هكذا أمر فقطعتها مباشرةً بعدما سمعت كلام أبيها (ص وآله) فكأنما لسان حالها (ع): (يارسول الله خلصني أُريد حالاتي القلبية السابقة)، تلك هي لغة القلب التي لا أحد يعرف ثمنها الا الذي تذوقها.وينقل أيضاً عن أحد الأساتذة الذي كان سيداً من ذرية رسول الله(ص وآله) عندما سُئل:سيدنا لماذا لاتخرج وتتمشى ؟فأجاب إن آية واحدة في القرآن أكون معها فهي تُعادل دنيا هؤلاء كلها .لكن للأسف، القليل من يعرف قيمة هذه الأشياء. فالزهراء(ع) كانت تمتلك جوهرة ثمينة تعرف قيمتها و لا تقارن بقلادة تسبب المنع من حالات قلبية عاشتها قبل لبسها ولا يعلم أحد تلك الحالات الا الشخص الذي يعيشها وكما قال أحد الأخلاقيين :لو يعلم أبناء الملوك اللذة التي حصلنا عليها لقاتلونا بالسيوف.
ويُكمل(دام ظله):” فقطعتها وباعتها وإشترت بها رقبة “
وكأنها (ع) نسفت القلادة من الوجود.
ويُكمل (دام ظله):”فسر بذلك رسول الله(ص وآله) “
ونفس هذا العمل يسر رسول الله(ص وآله) في كل زمان ومكان،الجبابرة بدأوا بهكذا بدايات أي بزينة وأموال وخاصةً إرتباط ذلك الموضوع إرتباطاً خاصاً بالمرآة، فالشيطان موجود بالمرآة لأنها لطلب الزينة والإفراط والإكثار منها يسبب ذلك الأمر ،فعن لسان نبي الله موسى (ع) في سورة يونس آية88″وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” أي أن بداية التفرعن هي من خلال الزينة.فلو أجرينا دراسة لجبابرة العالم والمتكبرين على مر العصور نجدهم أصحاب أموال وزينة لكن أولياء الله لديهم شيئ آخر بدل الزينة وهي (السيماء) وهي تسمية قرآنية”سيماهم في وجوههم” .
لذلك الإمام علي(ع) يقول:( دخل موسى و معه هارون على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصي فشرطا له أن أسلم مع بقاء ملكه ودوام عزه، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزوبقاء الملك وهما ما ترون من حلل الفقر والذلة”لولا أُلقي عليهما أساور من ذهب”)فهنا نرى كيف أن الزينة لدى فرعون أدت الى التكلم بلغة المتكبرين لأن مقاييس البشر لديه مادية ولكن “قلوبهم خواء” فهو يتكلم مع كليم الله تعالى بهذا الكلام الذي كانت تُرى أضلاعة ولون الطعام البسيط من النباتات من خلال الجلد .
ويكمل : (إعظاماً للذهب وجمعه وإحتقاراً للصوف ولبسه ولو أراد الله سبحانه لإنبياءه أن يفتح لهم كنوز الذهب ….) ثم (ع) يبين لنا فلسفة ذلك ويوضح أن هناك أمر على الرسالي معرفته من خلال قوله(ع): (ولكنه سبحانه جعل رسله أُولي قوة في عزائمهم وضعفة فيم ترى الأعين من حالاتهم) أي لديهم قوة لا يمتلكها أحد وتراهم بسطاء جداً تلك البساطة أدت الى القوة ، تلك معادلة أمير المؤمنين (ع) ثم يُكمل (ع) 🙁 مع قناعة تملأ القلوب والعيون وخصاصة تملأ الأبصار و الأسماع أذىً) إذن نستطيع أن نستنتج من تلك المعادلة أن الرسالي يكن قوياً بذلك الملبس المتواضع ويكن ضعيفاً لو إهتم بمنظره الخارجي إهتماماً زائداً عن الحد الواجب ، ونرى في الوقت الحاضر الشباب الذين يسيرون بذلك الإتجاه كم هم خائفين وركيكين في الحياة لأنهم لا يطبقون المعادلات التي وضعها أهل البيت (ع) ، وبهذا نعرف لمَ أولياء الله الصالحون وعلماؤنا الكبار يمتازون بلحى طويلة وبحلق الرؤس دائماً والسبب واضح أنهم لا يهتمون بالزينة ويهربون قدر الإمكان من المنظر وهذا أيضاً يفسر لنا بعض فلسفات الحج وما يفعله تعالى بالحاج من أُمور متعبة كأن تُحرقه الشمس بأشعتها الحادة وتجرده من اللباس المتعدد وترك التزين وبالتالي يحصل على أُمور معنوية يفتقدها بعد عودته.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
من سلسلة محاضرات أُلقيت على إحدى مراحل جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية/فرع الناصرية