عندما يتيقّن الإنسان أنّ كل ما في الكون من حركة وسكون وأحداث تحت عناية الخبير العليم،
سيطمئن قلبه، ولا يفزعه مرض ولا ظالم، قال تعالى:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
حتى لو كان مؤلماً، فهو في مصلحة العبد، ومهما كان سلوك العبد سواء كان ظالماً أو مؤمناً أو ولياً، فالجميع تحت رعايته تعالى، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة).
فكل ما يأتي من الله (عز وجل) نعمة…
وعند النظر لِما يجري من أحداث في الآونة الأخيرة ومنها ظهور فايروس (كورونا) ونضعها تحت مجهر الآية القرآنية التي ذكرناها في بداية الكلام، نجد أنها من عند الله الرحمن الرحيم الذي لا يعتدي على أهل مملكته، إذن هي نعمة وإن كانت ظاهرًا نقمة وبلاء.
ومن علامات المؤمن أنه ينظر لكل ابتلاء على أنه نعمة، روي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال: (ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تُحيط بها)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تكون مؤمنا حتى تعد البلاء نعمة والرخاء محنة).
بل أنّ الخلو من البلايا والأمراض هو الداء؛ كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (كفى بالسلامة داء).
وقد يُسأل سؤال هنا وهو: ألا ينبغي أن نأخذ الحذر ونتوقى ونشعر بالخوف لأنه وباء قد يؤدي إلى الموت؟
الجواب: عندما نقول إنه نعمة ليس القصد أن نرمي أنفسنا في التهلكة ولا نتخذ الإجراءات الوقائية،
كلا، وإنما علينا قبل اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية الطبية أن نُفعل أكبر جهاز دفاعي يدفع عنا كل سوء، وهو مقام الرضا بالقضاء، للابتعاد عن القلق، فمقام الرضا كما يقول الفيض الكاشاني: (من بلغ مقام الرضا تتبدل لديه مرارة القضاء والقدر، فالرضا عبارة عن ارتفاع الكراهة واستحلاء المرارة في أحكام القضاء والقدر).
وهذا من شأنه يقلل الفزع الشديد الذي يُضعف جهاز المناعة لدى الإنسان الذي يعتمد شفاء المصاب -بهذا الفايروس- عليه -فيما يعتمد عليه- كما ذكرت الأبحاث الطبية.
إن (كورونا) قرّب الموت كثيرًا إلى إدراك الذهن…
نحن نسمع كثيرًا عن الموت ونرى أمامنا من يموت ولا يوجد فينا من يضمن الخلود، لكن المشكلة بالغفلة وطول الأمل،
فيأتي تنبيه وإنذار من الله (عز وجل) الذي لم يترك عبده قط لتنشيط أكبر الأدوية فعالية لمن أصابه الكسل والخمول والتسويف والغرق بهموم الدنيا والغرق بالخطايا وهو الموت وشدة قربه، فعندما تلامس الأحداث المُلفتة مشاعرنا ومنها (كورونا)
تتغذى أفكار المتأملين بها ويزداد اليقين بالحقائق الآتية لا محال وهي الرحيل عن الدنيا عاجلًا أم آجلًا بـ(كورونا) أو غيرها أو بدون سبب.
فما أكرم الله تعالى!
حتى في بلائه نِعم!
ولنردد برضا وتوكل عقيب الصلوات ثلاث مرات كما ذُكر في مفاتيح الجنان في التعقيبات العامة:
(أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وإخواني في ديني، وما رزقني ربي، وخواتيم عملي،
ومن يعنيني أمره، بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وبرب الفلق من شر ما خلق،
ومن شر غاسق أذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد، وبرب الناس ملك الناس إله الناس،
من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس).
مجمع المبلغات الرساليات فرع البصرة