نرى أن بعض خطباء المنبر الحسيني يروجون لفكر سارق الرغيفين والرمانتين حيث نجد أن الكثير من الناس يتبعون مثل هكذا خطباء لأنهم منسجمون مع أنفسهم الأمارة بالسوء حيث يقول هؤلاء الخطباء للناس مضمونا افعلوا ما يحلو لكم وابكوا على الحسين (عليه السلام) وصلوا على محمد وآل محمد وسيغفر الله لكم ويدخلكم إلى الجنة بغير حساب مهما كان عملكم!! ويذكرون للناس حديثا أو حديثين ويتغافلون عن علم وعمد عن منظومة متكاملة من الآيات والأحاديث التي بذكرها تكون الصورة واضحة وصحيحة وبخلافه تكون الصورة مشوهة بل مقلوبة فنرى أن هؤلاء الخطباء يذكرون للناس قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من صلى علي مرة ، لم يبق من ذنوبه ذرة . ([1])
وقول الصادق (عليه السلام): ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب ، كان ثوابه على الله عز وجل ، ولم يرض له بدون الجنة .([2]) ويمسكوا عن ذكر بقية الآيات والأحاديث المهمة التي ترسم الصورة الصحيحة … وكان ينبغي عليهم بعد ذكر هذه الأحاديث أن يقولوا للناس بشرطها وشروطها … إلا أنهم لا يقولوا ذلك ولا نجدهم يذكرون قوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27] هذا المقطع الذي جاء في حادثة ابني آدم قدم كل منهما قربانا فتقبل من أحدهم ولم يتقبل من الآخر !!
ما هي صفات المتقين في القرآن ؟!
قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177]
هذه صفات المتقين … لنأتي للروايات التي تساعد على إيضاح الصورة أكثر
عن عمر بن حنظلة ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ان آية في القرآن تشككني ، قال: وما هي ؟ – قلت: قول الله (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) قال: وأي شيء شككت فيها ؟ – قلت: من صلى وصام وعبد الله قبل منه ؟ – قال: إنما يتقبل الله من المتقين العارفين ، ثم قال: أنت أزهد في الدنيا أم الضحاك بن قيس ؟ – قلت: لا بل الضحاك بن قيس ، قال: فإن ذلك لا يتقبل منه شيء مما ذكرت.([3])
وجاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر (رضوان الله عليه): يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل، يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام.
يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل من أين أدخله النار.([4])
وللإيضاح أكثر روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: قوله عز وجل (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) يقول: أرشدنا الصراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك ، فان من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم مغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ، ولم يقر ، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله ، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة ، ثم مر من بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي: لعله معاملة . ثم أقول: وما حاجته إذا إلى المسارقة ؟! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له: يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي ، وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي .
قال: ما هو ؟ قلت: رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ، فقال لي: قبل كل شئ: حدثني من أنت ؟ قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى الله عليه وآله ، قال: حدثني ممن أنت ؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أين بلدك ؟ قلت: المدينة قال: لعلك جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ قلت: بلى قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وأبيك ، لان لا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله .
قلت: وما هو ؟ قال: القرآن كتاب الله قلت: وما الذي جهلت ؟ قال: قول الله عز وجل (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا) إني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي لي ست وثلاثون ،
قلت: ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت الله عز وجل يقول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما ، بغير أمر صاحبهما ، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات ، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته .([5])
واعرف نماذج كثيرة على هذه الشاكلة منهم تجار في الأسواق وموظفين في دوائر الدولة حيث نعرفهم أنهم غشاشون ومرتشون وبأموال الغش والرشاوى يذهبون كل ليلة جمعة إلى كربلاء للزيارة ويشاركون في المجالس ويشاركون في المواكب ويشاركون في ركضة طويريج وفي الأربعينية ظنا منهم أن ذنوبهم تغفر مع البقاء على سيرتهم وتمتعهم بالمال الحرام الذي يسلبونه من المتبضعين والمراجعين !!
أذّكر هؤلاء وكل المغرر بهم من قبل خطباء الدولار بهذه الأحاديث الشريفة إن كانوا حقا يتبعون ويحبون محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم أن يعوا ما تقدم وهذه الأحاديث:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لرد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين ألف حجة مبرورة. ([6])
عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن عمود الدين الصلاة، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فان صحت نظر في عمله ، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله. ([7])
قال الصادق (عليه السلام): شفاعتنا لا تنال مستخفا بصلاته.([8])
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): درهم يرده العبد إلى الخصماء خير له من عبادة ألف سنة وخير له من عتق ألف رقبة وخير له من ألف حجة وعمرة.([9])
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ليس منا من غش مسلما ، أو ضره ، أو ماكره.([10])
قال الرضا (عليه السلام): ليس منا من لم يأمن جاره بوائقه.([11])
وعن الصادق (عليه السلام) قال: إنه ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه ، ومخالقة من خالقه.([12])
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ويعرف حقنا.([13])
وقال (صلى الله عليه وآله): ليس منا من يحقر الأمانة حتى يستهلكها إذا استودعها ، وليس منا من خان مسلما في أهله وماله.([14])
وغيرها من الأحاديث التي توضح الصورة أكثر وأكثر …. ([15])
————————————————————————————–
([1]) بحار الأنوار ج91 ص63.
([2]) كامل الزيارات، ص202.
([3]) المحاسن، البرقي، ج1 ص168.
([4]) بحار الأنوار ج74 ص86.
([5]) بحار الأنوار ج47 ص238.
([6]) بحار الأنوار ج100 ص12.
([7]) بحار الأنوار ج79 ص227.
([8]) بحار الأنوار ج79 ص227.
([9]) بحار الأنوار ج101 ص295.
([10]) بحار الأنوار ج10 ص367.
([11]) بحار الأنوار ج71 ص151.
([12]) بحار الأنوار ج71 ص161.
([13]) بحار الأنوار ج93 ص231.
([14]) بحار الأنوار ج72 ص172.
([15]) الأربعون مقالا، محمد النجفي، مخطوط.