البقيع هي بقعة شريفة طاهرة في المدينة المنوّرة، تقع قرب المسجد النبوي الشريف، ومرقد الرسول الأعظم(ص)، فيها مراقد الأئمّة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة(عليهم السلام)، وهم: الإمام الحسن المجتبى، والإمام علي زين العابدين، والإمام محمّد الباقر، والإمام جعفر الصادق(ع).
1) جريمة آل سعود:
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344ﻫ، بدؤوا يفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت(ع) والصحابة.
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز وفي عامّة البلاد الإسلامية، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة، استفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حُرمة البناء على القبور.
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين، سليمان بن بليهد، مستفتياً علماء المدينة، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب، نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء.
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين، وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول(ص)، فتسارعت قوى الشرك والوهابية إلى هدم قبور آل الرسول(ص) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أيّ عام 1344ﻫ ـ فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار والصحابة في البقيع، وسوّوها بالأرض وشوّهوا محاسنها، وتركوها عرضةً لوطئ الأقدام ودوس الهوام.
ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس، من فرش وهدايا وآثار قيّمة وغيرها، فحَوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة.
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ويحطّ من قدرهم، كما يحطّ من قدر آل الرسول(ص) وأصحابه.
في حين نشرت “جريدة أُمّ القرى” بعددها 69 في 17 شوّال 1344ﻫ، نصّ الاستفتاء وجوابه، وكأنّ الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور، وحدّدت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 رمضان 1344ﻫ، امتصاصاً لنقمة المسلمين، إلّا أنّ الرأي العام لم يهدأ، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي، حيث توالت صدور التفنيدات للفتوى، ومخالفتها للشريعة الإسلامية.
2) القرآن وبناء القبور:
لو تتبعنا القرآن الكريم “كمسلمين” لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين، ويكرّمهم بالبناء على قبورهم، حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام، فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتُشف أمرهم، بعد ثلاث مّائة وتسع سنين، وذلك بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر.
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين: قسم يقول:﴿ … ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا … ﴾ 1 تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء مسجد على الكهف، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى.
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الإقتراح من المؤمنين؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز، ﴿ … قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ 1.
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الإقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية.
إنّ هذا يدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله، ولذلك بني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والإحترام.
ولا زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر لقبور العظماء والملوك والخالدين، فهل توجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله(ص)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ؟
3) المصادر والمراجع:
1. a. b. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 21، الصفحة: 296.
2. بحوث في الملل والنحل 1/339.
3. المذاهب الإسلامية ـ الوهابية.
4. ليالي بيشاور ـ المجلس الثالث.
5. مستدركات أعيان الشيعة 2/161.