التفكير الجماعي من مظاهر الوعي في الأمة، قد يظهر كمؤتمرات وورش عمل ومداولات جماعية ومقالات يكتبها المثقفون في مواقع التواصل الاجتماعي، يناقشها نظراؤهم تطرح فيها الآراء المختلفة بكل حرية وإنصاف، فكل هذا يعني شعور الأمة بحقها في التفكير، فلا تسلم زمامها لمن يفكر نيابة عنها، ومن أنفع ميادين التفكير الجماعي التفكير بالقيادة الدينية بشكل واقعي، ما هي خصائصها وكيفية إثبات شروطها ومعايرة أقوال المتحدثين فيها بحسب الموازين الشرعية.
ومن أجملها التفكير بمن يخلف المرجع قبل وفاته، وعدم تأكيد مرجعيته بدعوى الوفاء له أو أمنية أنه لن يموت حتى يسلم الراية إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه).
ويخاف الطغاة دائماً من وعي الأمة فحين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاف أحدهم أن يفكر الناس بالخليفة من بعده، فظل يزمجر أن النبي لم يمت وتهدد من يقول أنه مات، بالسيف، بانتظار أن يتولى المتآمرون ترتيب بدعة لاستلام وعي الناس والاختيار نيابة عنهم.
وحين كبر عمر بن الخطاب بالعمر وسمع بعض الصحابة يقولون أنه إذا مات عمر فسيولونها علياً، صعد المنبر وتهدد من يفكرون من دون توجيهه، فقال عمر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه. ثم رتب لهم شورى الستة الذين اختارهم بدقة ليوجهوا الأمور تجاه عثمان، بمعزل عن خيار الأمة التي كانت ستتوجه إلى علي (عليه السلام) لو تركت لتفكر بحرية.
فالتفكير الجماعي يضيف وعياً ويظهر الأفكار للعلن فيصمد الصحيح منها في الشمس ويهرب الخاسئ، وقد ندب الأنبياء أممهم للتفكير الجماعي فقالوا لهم (أجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) ولن تندموا إذا فكرتم سوية ولن يحتج عليكم أحد إذا عزلتموه ففكر لوحده فاختار غير ما اخترتم .. لن يكون بإمكانكم الاحتجاج عليه ليتبعكم حين لم تشركوه بالقرار.
ثم إن التفكير الفردي له مميزات أيضاً حين يسيطر الخوف على الجماعة أو قلة الوعي فيتبعون قادة مزيفين للرأي العام، ولا يستطيع الفرد إيقاظهم إذا أهطعوا للمزيفين، فيضطر للأفراد عنهم والتفكير بمعزل عن تخويفهم وتهويلهم.
الدكتور عماد علي الهلال