لم تكن شجاعة الشّيخ اليعقوبي في إطار معارضة فكر و منهج السّلطة البعثية فقط ، بل كانت قد تجلّت في ميدان آخر ، لا يقل خطورة و صعوبة ، بل إنّ علماء الشّيعة إجمالاً يتقّوه و يحذروه أكثر من خطر مقارعة النّظام و السّلطان ، و هذا هو (الميدان الاجتماعي) ، إنّ حركة المرجع بعيدة عن ذوق الناس و رغباتهم ، و ما ألّفوه في حياتهم أمر في غاية الصّعوبة ، و يولد ردّة فعل تجاهه ، بل أحياناً قطيعة و مشاكل و ذهاب النّاس من حوله أيدي سبأ .
لقد كان الشّارع الصّدري و أكثر طلبة جامعة الصّدر ممتعض جداً من الحوزة الأخرى ، خاصّةً بعد فقد السّيد الصّدر الثّاني بل الكثير منهم يكن العدّاء و البغضاء لها ، بل لا يتوانى عن رشقها بوابل من السّباب ، و هي سابقة خطيرة في الشّارع العراقي الشّيعي ، فكان توجّه الشّيخ اليعقوبي يتقاطع تماماً مع هذا المهج و الأسلوب ، و يرفضه جملةً و تفصيلاً .
أتذكّر في عام 1999 ( و كنت طالباً في المرحلة الأولى) أن الشّيخ اليعقوبي كان قد دعى إلى رأب الصّدع الذي نجم من تفرّق التّشييع ، صدريين و سيستانيين و لملمة أطراف الحوزة ، و أبناء المذهب ، و ترك المهاترات و التّقاذف و السّباب بين مؤيدي ما عرف آنذاك بالسّاكتة و النّاطقة ، و قال أن هذا الموضوع أخذ منحى غير صحيح ، و عندما ألقيت محاضرة كان سماحته و الشّيخ قاسم الطّائي ، و الشيخ قيس الخزعلي ، و الشّيخ حيدر اليعقوبي ، و السّيد مصطفى الصّدر ، و السّيد محمد حسين الطباطبائي ، و طلبة المرحلة الأولى حاضرين فيها ، فلمّا أعجب بها سماحة الشّيخ ، طلب منّي أن أكتب كتيّباً حول مضمون المحاضرة ، فكان كتيّب : (اتقوا فتنة) ، الذي أحدث ضجّة بعد طبعه و توزيعه على طلبة الجامعة ، بسبب الانتقاد للصّدرين ، فقرر الشّيخ سحبه و إتلافه !!
و كان سماحته يقول إننا في السّابق ندفع ثمناً (نقد الاتجاه الآخر) ، فكان مقابل مثمن و هو توعية النّاس و لفت انتباههم إلى القيادة الأصلح ، و كذلك تحريك الاتجاه الآخر ، و تحفيزه نحو العمل ، أمّا اليوم فالاستمرار بمنهج النّقد و التّقريع ، فهو دفع ثمن بالمجّان و العقلاء لا يفعلون ذلك .
و حينما لوّح ” الشيخ عباس الغزالي ” معرضاً بالحوزة السّاكتة ، و كان سؤاله حول تمييز العالم النّاطق من غيره ؟ كان رد الشّيخ جميلاً و واعياً قال : لا نطالب العلماء أن يكونوا على شاكلة السّيد الصّدر الثّاني ، بل يجب على العالم أن يتحرّك وفق الحيّز المتاح له ، فمن كان يستطيع أن يتحرّك عشرين بالمائة ، و لم يتحرّك بهذا المقدار ، كان مقصّراً و لا نطالبه أن يتحرّك أكثر من ذلك .
و كانت المشكلة تكمن في تصور أغلب الطّلبة بأن يكون الكل نسخة من السّيد الصّدر الثّاني ، و هو أمر محال !!! و هكذا استطاع الشّيخ شيئاً فشيئاً ، أن يعدل من أمزجة الطّلبة ، و يقلل من عصبيّتهم أو يلغي ـ أحياناً ـ تطرّفهم و استطاع أن يكون المثل الأعلى لهم و لم يشذ عن إتباعه سوى نفرٌ قليل في نهاية المطاف .