لم يكن سماحته مستغلاً لعواطف الجمهور الصدري و تعلّقهم الشّديد بشخص السّيد الصّدر و هذا واضح من خلال سعي الشّيخ إلى الإدلاء بالمفاهيم الدّينية و خاصّة الفقهية ، سواء كانت متطابقة مع آراء أستاذه الصّدر الثّاني أم متقاطعه و هذا دليل أمانته و صدقه و عدم ركوب الموجة و استغفال النّاس و النّزول عند رغبتهم و مماشاة أهوائهم ..
جاءني أحد طلبتي و هو الشّيخ علي البغدادي ، و كان يمتلك وعياً و يقلد السّيد فضل الله ، و قال إن الشّيخ اليعقوبي أصدر استفتاءً ينص على ، مفطرية التّدخين خلافاً للسّيد الصّدر الثّاني، و يحث على الاحتياط و ضبط النفس .. و لما كانت الظّروف غير مهيّئة لمثل هذا الخطاب ، خاصّة و أنّ البعض ممن يروم ركوب الموجة يعمل جاهداً على تشكيك النّاس بإخلاص الشّيخ للخط الصدري !! و إقناع عامّة النّاس بخذلان الشّيخ لمشروع السّيد الصّدر ، خاصة و أن الشّارع الصّدري ، كان لا يرى الأشياء إلا بعاطفته لا بعقله … فذهبت إلى معاون الشّيخ (شيخ محمد حسين أبو علي) و قلت له : إنّ توقيت هذا الاستفتاء غير مناسب بالمرّة ، و يجعلنا نقضي أيام شهر رمضان بين أخذ و رد و دفع و جذب ، في وسط جمهور يرى أن الاستفتاء فيه تخطئة للسّيد الشهيد !
عرض معاون الشّيخ وجهة نظري على سماحته فرحّب الشّيخ بنصيحتي كثيراً و قال فعلاً لا توجد مصلحة من نشر هذا الاستفتاء خاصّةً و أن من يدخن في نهار الصوم هو يتمتع بحجة شرعية تتمثل بقول المرجع الذي يقلده فلا حراجة عليه ..
و من مواقفه العلميّة التي تثبت صدقه و إخلاصه في رسالته و عدم اكتراثه لإنزواء الناس عنه ، هو تحقيقه في مسألة السّمك الصّبور و الطّرشي المدبّس و خروجه بنتائج فقهية تخالف آراء أستاذه السّيد الصّدر قدّس سرّه الشّريف ..
و من مواقفه معالجة قضية الغش في الإمتحانات ، و التي أطلق تجويزها السّيد الصّدر الثّاني مسبّباً أرباكاً يومئذ بين مدافع و ناقد لاذع فكان للشّيخ رأي يمنع منه معللاً منعه بأنّ الغش حتى إذا قلنا بجوازه على مستوى التّكليف الفردي و لكنه يسبب خللاً في الحياة الاجتماعية العامّة ، حينما يتصدّى غير الكفوء في إدارة شؤون الحياة فأصدر سماحته كتاباً يناقش تلك القضايا و طلب مني أن أكتب له مقدمة فكتبت و كان اسمه (الفقه الاجتماعي) ..
سيد أحمد الجيزاني:
لم يشذ الشّيخ عن علماء الحوزة في مناقشة الآراء العلمية لاساتذتهم و تبني ما هو صحيح منها و تفنيد ما ليس قويماً في نظره و بسبب ذلك جاءني أحد المشايخ يوماً (و كنا في المرحلة الأولى) و كأنّه اكتشف كارثة إنسانيّة أو جاء من سبأ بنبأ يقين !! و قال انظر ، ماذا يقول الشّيخ اليعقوبي عن السّيد الصّدر في كتاب (الرّياضيات للفقيه) ، و كانت العبارة (الكفرية!!) : تهافت من قلمه الشّريف … فقلت له إنّ هذه العبارة طبيعيّة و ليس فيها جرحاً أو قدحاً بالشخص ذاته بل هي متداولة في الأروقة العلمية ..
و من المضحك المبكي أن سماحته حينما أصدر كتاب (القول الفصل في أحكام الخل) ألفينا بعض الطلبة في دار أبي الأرقم (الجامعة) حزيناً كئيباً ممتعضاً بل معترضاً على الطّلبة الذين يحملون الكتاب إلى المجتمع و يرى أنّ فيه خيانة للصدر الرّاحل إذ كيف يفنّد الشّيخ رأي أستاذه !! و قد بذل الشيخ جهداً جهيداً حتى استطاع أن بزيل صنميتهم للسّيد الصّدر الذي ما فتئ يكرر : (ما قيمتي أنا العمدة نفع التشيع) ..
و من أمثلة الصنمية التي عانى منها الشيخ وقتذاك : حينما أراد سماحته أن يعطي درسه في مسجد الرأس و يجلس على الكرسي الذي كان يجلس عليه المرجع الراحل و لكن فوجئ الشيخ باعتراض من بعض الطلبة الصدريين و اعتبروا أنّ هذا تجاوز على مقام السّيد الشّهيد الصّدر الثّاني و كأنّ السّيد هو تلك الأعواد التي كان يجلس عليها تماما كتقديس أبي حنيفة لعصا كتب عليها محمد رسول الله فقال له الإمام الصادق قبل يدي فانها لحم و دم رسول الله و هكذا كان ينبغي أن يدرك الطلبة أن السيد يحفظ في هو علمه و فكره و نهجه الذي أودعه في تلميذه سماحة الشيخ ..