الثناء والمدح هو أسلوب قرآني تربوي أخلاقي رفيع المستوى عميق الدلالات موجه ضمن أساليب تربية الإنسان وبناء شخصيته، وهو من مناهج التربية على تمثل القيم الصالحة، ومن طرائق تحفيز الإنسان نحو الجد والاجتهاد، فالثناء وامتداح الإنسان لعمله المتميز، وتكريمه لما تحمله شخصيته من مكرمات وصفات حسنة، يعتير باعثاً لإجادة العمل، وترغيباً في السعي نحو التكامل أكثر وأكثر في شتى مستوياته وأشكاله، لأنه يشعر الإنسان بالاحترام والمحبة والتقدير، ويشجعه للمزيد من العطاء، ويدفعه نحو المثابرة، إضافة إلى كون هذا الأسلوب التربوي المتزن الناجح يكون دافعاً لكل من يستشعره ويتفاعل معه، أن يسعى لكي يحظى بأوسمته، ويحصل على آثاره، ويكون من مصاديق الممتدحين به.
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لأِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} (المؤمنون 1 _ 11)
قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} (النور 36_- 38).
ونحن في رحاب بقية الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف، وفي مدرسة الانتظار للدولة الكريمة نجد أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) استخدموا هذا الأسلوب التربوي في مباركتهم ثبات أوليائهم وشيعتهم المنتظرين لإقامة دولة العدل، الذين يتكبدون مشقة الانتظار، ويتجشمون عناء الابتلاءات في الغيبة الكبرى تمهيداً لليوم الموعود، ونلحظ توالي سلسلة الأحاديث في الامتداح العاطر عليهم، والثناء على صدق عزيمتهم في الانتظار الطويل، ويصفونهم بالمجاهدين تارة، والمخلصين تارة أخرى، وأنهم للشيعة صدقاً، والدعاة حقاً.
ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كما في رواية أبي خالد الكابلي، أنّه قال: (تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده، يا أبا خالد:
إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً) (البحار، المجلسي، ج52 ص122)
ورد عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
(اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا على أذية عدوكم، ورابطوا إمامكم المهدي عليه السلام).
(الغيبة، النعماني، ج 1ص 32)
وفي هذا فوائد جليلة منها:
1 _ تحبيب موضوع انتظار الفرج عمليا للمنتظرين من اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وزرع الاطمئنان في قلوبهم رغم العناء والبلاء، مهما تلفعت سحب الغيبة بالسواد، وطالت لياليها المملوءة بالاختبارات والضغوطات والمنعطفات، وتساقطت فيها ارادات الرجال في سوق المطامع، وفقدت الشعارات المحسوبة على الإسلام بريقها الحقيقي في مزادات القيم الكاذبة، ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قوله تعالى :{وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}، وقوله تعالى: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}،
(فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان من قبلكم أصبر منكم). (البحار، المجلسي، ج52 ص 119)
2 _ الثناء والمدح يبين المقام الرفيع للمنتظرين، وبيان أجر صبرهم، وثواب ثباتهم، وفيه هذا دافع كبير لتحريكهم وزيادة همتهم المعنوية والروحية والحركية لنيل هذا المقام الممنوح من الله تعالى، وتحصيل هذا الأجر المعنوي،
فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله). (البحار، المجلسي، ج52، ص123)
بل وتتعدى حدود الأجر والثواب التي ينالها المنتظر لتشمل حتى مع ادركهم الموت ولم يدركوا الفرج، فما عاشوه من مشاعر الانتظار وواجباته النفسية والعبادية والحركية والعلمية والاجتماعية والسياسية والإصلاحية، يحسب لهم في ميزان الله تعالى انتظاراً مشروعاً يثابون عليه، ويعدون من خلاله في أصحاب القائم المنتظر عليه السلام، ويحملون شرفية الثابتين في معسكر حجة الله.
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً، كان كمن كان في فسطاط القائم).
(البحار، المجلسي ، ج52 ، ص 126 ح 18)
ورد عن الإمام الباقر عليه السلام ع : (ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا إلا يموت في وسط فسطاط المهدي عليه السلام وعسكره).
(الكافي، الكليني، ج1، ص372)
3 _ الثناء والمدح يشعر المنتظرين بالأمن النفسي الذي يعكس التعهد والاهتمام والمتابعة والرعاية، والذي ينعكس إيجابياً على تقوية أواصار الارتباط بالمدرسة، ويعمق انتماء المنتظر لجهته الإسلامية المتنثلة بالإمام المهدي عليه السلام الذي يتعامل معه على أنه المستند والمتكأ والمعتمد.
ورد عن أمير المؤمنين (ع) قال: (الآخذ بأمرنا معا غدا في حظيرة القدس)
(البحار، المجلسي، ج52، ص123 ح 7)
اللهم عجل لوليك الفرج والنصر
_______
الشيخ عمار الشتيلي
من جوار المولى الحسين (ع)
ليلة ١٥ شعبان ١٤٤٥ هج
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية