أولاً . إن سماحة الشيخ اليعقوبي في عمر الشباب كان يحظى بتربية علمية وأخلاقية مركزة من مرجع عظيم معروف بأعلميته وطهارة سلوكه ومبدئية مواقفه واستقامة منهجه، عن طريق المراسلات التي تضمنت الفقه والأخلاق والجانب الحركي، ونفس الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) يشير إلى استناد بعض مشاربعه العلمية التي تجاوزت الحالة التقليدية إلى مقترحات من سماحة الشيخ اليعقوبي، واستمرت آلية التواصل هذه لمدة تزيد على أربع سنوات (١٩٨٤- ١٩٨٨) حتى وفّق الله تعالى وأصبحت العلاقة مباشرة، وتضاعفت العناية ليصبح سماحة الشيخ أبرز طلابه علماً واندكاكاً بمشروع السيد الشهيد الإصلاحي.
ثانياً- اعتراض المعترض على قصر سنوات درس سماحة الشيخ الحوزوية، بالقياس إلى المستوى العام لطلبة الحوزة..
والتعليق عليه : ١.إنه إشكال واضح الوهن لأن المستويات والقابليات والاستعدادات الفكرية متفاوتة … فمثلاً الشهيد الصدر الأول في عمر (١١) سنة كان يعلق بإشكالات علمية رصينة على كتب منهجية حوزوية مؤلفوها مجتهدون، فمن الطبيعي أن تقل فترة الدراسة التي يحتاجها الطالب المبدع الألمعي عمن سواه، وهذا ملحوظ في مجالات أخرى فتجد مثلاً أن المقرر لتحصيل دراسة الدكتوراه أكاديمياً هو أربع سنوات، ولكن بعض الطلبة المبدعين يحصلون عليها بسنتين – نصف المدة المقررة – وبعضهم بأقل من ذلك حتى (١٨) شهراً.
٢. يمكن ذكر أكثر من مثال على نبوغ سماحة الشيخ المبكر، ففي نهاية دراسته المتوسطة كتب بحثاً عن الخمر يناهز مئتي صفحة بعنوان (الخمر أم الخبائث) راجع فيه كتب التفسير والتربية والطب والاجتماع، وكان مرتباً بشكل جيد …. ولعلك تجد كثير من طلبة السطوح لا يستطيعون كتابة بحث أقل مستوى من هذا، بل لعل حتى بعض طلاب البحث الخارج لايستطيعون .. فإذا كان قياسك على هذا المستوى فعلى العلم والعلوم السلام !
٣. كانت أحد نتاجاته الفكرية في مرحلة التواصل مع السيد الشهيد الصدر الثاني قده – الثمانينات – كتاب (الرياضيات للفقيه) الذي طوره كماً وكيفاً بعد التحاقه إلى الحوزة الشريفة.
٤: بدأت مراسلاته مع السيد الصدر الشهيد الثاني صيف عام ١٩٨٥وأول بحث قدمه سماحة الشيخ إلى السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) في فترة مراسلاته معه حول (ثبوت الهلال في البلدان المختلفة) ناقش فيه الأقوال في المسألة ودعم وقتها الرأي العلمي بأن ثبوته في بلد كافٍ لثبوته في البلدان التي إلى غربه دون التي إلى شرفه (ولم يطلع يومئذ على رأي السيد الشهيد الصدر الثاني وهو نفس رأيه) .. وهذا المستوى العلمي المعمق متحصّل لدى سماحته وهو في العشرينات من عمره الشريف.
5. لم يلتحق بالخدمة العسكرية لأنه يراها معونة للظالمين واختفى في البيت رافق في هذه الفترة التي امتدت سنوات القرآن الكريم والكتب التي احتوتها مكتبة والده وسجادة الصلاة، وقد ضمت تلك المكتبة آمهات المصادر وفي مختلف حقول المعرفة مثل تفسير الميزان ووسائل الشيعة وشرح نهج البلاغة وتاريخ الطبري والمراجعاتآ وغيرها من كتب التاريخ والتفسير والآدب والفقه والآصول والرجال والوعي الإسلامي.
6. نشأت لديه نتيجة هذه المطالعات المركزة (فترة الثمانينيات) أفكار أصيلة وبحوث قيمة احتاج إلى من يراجعها له ويوجهه ويرعاه لكونه يطمح بالوصول إلى مراتب أعلى لا تكفي القراءة وحدها لنيلها، فهيأ الله تعالى سبباً لاتصاله بالسيد الشهيد الصدر الثاني، فبدأت نقلة كبيرة في حياته.
7. عرض سماحة الشيخ فترة المراسلات أفكاراً تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن العبادية (دليل سلوك المؤمن) دعا فيه إلى أن تعالج الرسائل العملية كل تلك القضايا، وأن تعرض الفقه الشامل لكل نواحي الحياة. وعلق السيد (قده) على تلك المقترحات بأنها جعلته يفكر بما هو منتج ونافع في سبيل الله بعد أن كان أسقط ظاهرياً مجرد التفكير في ذلك إلى حين طلوع الفجر – حسب تعبيره قده – ويقصد بالفجر زوال السلطة الظالمة الحاكمة وقتها … فمثل هذا الشاب وفي بداية عشرينات عمره يقترح أفكاراً منهجية بهذا العمق تجعل مرجعاً عظيماً كالشهيد الصدر الثاني (رض)، يلتفت إلى أهميتها ويأخذ بها فتنتج نتاجات علمية غزيرة لدليل واضح على نبوغ فكري مبكر وذوبان في الرسالة الاسلامية وحرص شديد على نصرتها.
8. ثم كتب بحثاً آخر في نفس فترة المراسلات أنضج منه وأوسع بعنوان (الجاهلية الحديثة وأسلوب مواجهتها) ،،، وقد طرح سماحته بعض هذه الأفكار فيما بعد في كتاب شكوى القرآن.
9. وتوالت المراسلات وكان منها كتاب في (٢٠٠) صفحة تقريباً بعنوان (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) وهو تعميق وتوسيع ليحث من بضع صفحات بنفس العنوان نشره السيد الشهيد الصدر الأول (قده) في مجلة الإيمان فعلّق عليه تعليقات ثمينة وكتب له مقدمة مختصرة تمنى فيها نشره ….
وهذا الإبداع العلمي كله في فترة الثمانينات وبإشراف المرجع الأعلم حينها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)، ويتناول موضوعات غير تقليدية، وقليلة التداول والبحث من الفقهاء، فإبداء الرأي فيها دليل أوضح على إبداع صاحبها ونبوغه العلمي.
10. التحق بجامعة النجف الدينية، ونظراً لحصيلته العلمية والثقافية السابقة فقد قبل السيد محمد كلانتر المعروف بحزمه الشديد بالالتزام بالمنهج الدراسي المخصص بالترتيب أن يبدأ دراسته مباشرة من اللمعة وأصول الفقه للمظفر، وكان يأخذ درسين لمعة يومياً ودرساً في الأصول وامتحن مباشرة بعد بضعة أسابيع من دراسة هذين الكتابين في مكتب السيد الخوئي وكانت درجته (٩٥٪)، وكان أحياناً يأخذ درساً ثالثاً في اللمعة ودرساً ثانياً في أصول الفقه لذلك طوى هذه المرحلة بسرعة … فكيف لك أن تقيس طالباً مثابراً مجدّاً مع المستوى العام للطلبة ! ثم قد امتحن في هذه الدرس عند مكتب السيد الخوئي وحصل على (٩٥٪) فما هو المعيار عندك بعد ذلك !؟ فأنهى كتاب أصول المظفر مع حلول شهر رمضان (١٤١٣) – (١٩٩٣.)… وبعد عطلة العيد شرع بدراسة الكفاية وتزامن معه دراسته كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري قده وأكملهما بعد أكثر من ثلاث سنين …. وهذا أمر متوقع بالنسبة لطالب مثابر ويتمتع بنبوغ فكري مشهود.
11. كان يستثمر مصاحبته للشهيد الصدر الثاني فيسأله عن كثير من الآراء العلمية التي يتلقاها في دروسه وتحصل عنده نقاشات عليها وتنقدح أفكار، وكانت لهذه المناقشات أثر كبير في صقل مواهبه العلمية .. فالرعاية العلمية الخاصة من قبل مرجع أعلم كالشهيد الصدر الثاني قدس سره، وتوفر قابلية علمية شديدة ونبوغ فكري مبكر عوامل تسهل كثيرا طيّ المسافات وقطع اشواط التحصيل العلمي وبلوغ الهدف بنيل ملكة الاجتهاد .
12. بعد أن أنهى نصف كتاب الكفاية ومن خلال مناقشاته التي كان يجريها مع أستاذه الشهيد الصدر الثاني قده قال له إنك تستطيع أن تفهم مطالب البحث الخارج)، فحضر البحث الخارج مع دروسه الأخرى التي حرص على إكمالها … وهذا تقييم من مرجع أعلم في زمانه وهو الشهيد الصدر قده .. فهل يقارن بتقييمه أحد ؟ وعادة ما تقولون إن شهادة أهل الخبرة تكفي في الكشف عن ثبوت الحقيقة العلمية فكيف إذا كانت الشهادة من مرجع أعلم ؟
13. حضر البحث الخارج في أواخر شوال (١٤٢٤) (نيسان ١٩٩٤)، وبحث المشتق استمر أزيد من عام لأستاذه الشهيد الصدر الثاني قده، وقرّره في مجلدين مطبوعين، واستمر حضوره عنده حتى استشهاده في (ذي القعدة ١٤١٩)، يعني حضر أكثر من خمس سنوات بحث خارج أصول السيد الشهيد الصدر الثاني … وقد اكتفى الشهيد الصدر الثاني بتقرير سماحة الشيخ لبحثه الأصولي الخارج واعتمده جزءاً من الأجزاء الخمسة لمنهج الأصول للشهيد الصدر … وهذا تقييم من المرجع الشهيد الصدر بأن سماحة الشيخ قد تلقى المطالب وفهمها بما لا ينقص عن تمام مراد السيد الشهيد …. وهذا التقييم في حياة الشهيد الصدر الثاني قدس سره.
14. حضر بحث الفقه عند سماحة السيد السيستاني في (ذي الحجة ١٤١٥) وواضب الحضور حتى انقطاع درس السيد السيستاني في (صفر ١٤٢٠)، يعني أكثر من أربع سنوات.
15. بدأ دراسة المكاسب في ربيع الأول (١٤١٤) وأكمله، ثم حضر بحث الخارج في الفقه على كتاب المكاسب عند الشيخ الشهيد الغروي (قده)، لمدة سنتين ( ١٤١٦-١٤١٨).
16. حضر بحث خارج الأصول عند الشيخ الفياض (دام ظله الشريف) لإتمام ما بدأ به مع أستاذه السيد الشهيد الصدر الثاني فتحصل دورة أصولية كاملة وكانت مدة حضوره درس الشيخ الفياض أربع سنين ( ١٤١٧-١٤٢١).
17. درّس الفقه والأصول بجميع مراحل السطوح والمنطق والأخلاق والوعي الاجتماعي.
18. لقد كان النبوغ واضحاً منذ البداية وصدر في عامي (١٤١٨-١٤١٩) هج ( ١٩٩٨) ميلادي كتابان مهمان حظيا بالثناء والإعجاب أولهما كتاب (المشتق عند الأصوليين) وتضمن تقرير أبحاث الشهيد الصدر قده في علم الأصول مع بعض المداخلات، وقد أعجب به السيد الشهيد قده وجعله من إجراء دورته الأصولية (منهج الأصول) مستغنياً به عن كتاباته، وثانيهما كتاب (الرياضيات للفقيه) وهو فريد في بابه لذا نال إعجاب المراجع والعلماء بما تضمن من تحقيقات فقهية وأصولية ورياضية معمقة لا يوجد من يجمعها، وناقش فيه أساتذته المراجع وقد شهد به السيد الصدر قده وأوضح في بحثه الخارج – في صلاة الجمعة- عندما ناقش مسألة الفرسخ وقال عنه إنه نقل الفقه من الحيض والتفاس إلى الآفاق العلمية ،….. حيث لم يعرف عن السيد الشهيد الصدر قده المجاملة والمداهنة خصوصاً في مثل هذه الأمور المصيرية التي كان تقييمه الآخرين فيها صريحاً وواضحاً وتحمل بسبب ذلك ما تحمل.
19. كتب سماحة بحوث فقهية عالية عام ١٩٩٨ اطلع عليها مجتهدون فشهدوا على ضوئها باجتهاد سماحته منهم الشيخ الگرامي .. وكشف هذا أن ملكة الاجتهاد متحققة ثبوتاً منذ ١٩٩٨، ولعلها قبل ذلك.
20. ومن إشكالاته الواهية كيف يمكن إكمال دورة أصولية يأخذ بعضها عند الأعلم وبعضها الآخر عند غير الأعلم مع التسليم باجتهاد الأخير ! وهو كما ترى
21. ومن إشكالاته الواهية القول بأن إكمال دورة أصولية واحدة غير كافية للتأهل للاجتهاد والأعلمية !! علماً أن ملكة الاجتهاد قد تحصل حتى قبل إكمال تمام الدورة الأصولية، وبالأولى إمكان حصولها بعد إتمام الدورة الأصولية، وهذا واضح لمن كان له مسكة من العلم، وقد يكمل العالم الدورة مراعاة لسياقات الحوزة التي تشترط إكمالها !.
22. والعجيب أنه يشترط إكمال دورة فقهية .. وفاته أن الملكة تتحقق حتى مع عدم إكمالها، بل إن نفس المراجع الذين يتصدون للمرجعية العامة يبحثون بعض المسائل الفقهية بعد تصديهم للمرجعية ولذلك تراهم أحياناً يعدلون عن آرائهم الأولية، فإذا كان عدم مرورهم بكل مسائل الأبواب الفقهية بحثاً عند أساتذتهم سبباً للقول بعدم اجتهادهم فهذا ينتج عدم اجتهاد أحد من الفقهاء !!! وهو مالم يلتزم به أحد.
23. قول المعترض إن قول الشهيد الصدر الثاني لم يشهد باجتهاد الشيخ اليعقوبي وإنما قال (المرشح الوحيد من حوزتنا وأنه الذي ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي) ونقله هذا غير أمين لكلام السيد الشهيد الصدر الثاني الذي قال أيضاً (أذا شُهد له بالاجتهاد فأنا لا أعدوه هو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة بعدي)
ونقول إن كلمة السيد هذه تدل على أكثر من اجتهاد سماحة الشيخ اليعقوبي:
أ- قال إذا شُهد له بالاجتهاد ولم يقل إذا بلغ الاجتهاد ، وهذا يعني أن السيد متيقن ومتأكد من حصول ملكة الاجتهاد ثبوتاً وتحققها لدى سماحة الشيخ اليعقوبي ولكن في مقام الإثبات والاحتجاج على من هو خارج حوزتنا – حوزة اتباع الشهيد الصدر – يتطلب الشهادة لسماحته وقد حصلت من علمين معروفين كما هو واضح .
ب- معنى (ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي) فالحوزة ليست إدارة شؤون وإشراف على مناهج تدريس وادامة الدرس وانتظامه، حتى يُقال ممكن أن يمسكها من هو ليس مجتهد، بل تعبير السيد أن يمسك الحوزة يدل على قيادة شرعية للمجتمع الذي يرجع إلى الحوزة ومن شروط القيادة عند السيد ليس الاجتهاد فقط بل الأعلمية.
ج- عبارة السيد الشهيد الصدر الثاني (يمسك الحوزة بعدي) ليس معنى (البعدية) هو التعاقب الزماني، بل البعدية معناها الرتبية والمقام، وواضح أن من يوصي بتحمل غيره وتوليه مقامه يشترط فيه ما هو شرط في الأصيل الذي كان يمسك بالحوزة قبل البديل والخليفة له، ومن الشروط المعلومة لذلك الاجتهاد والأعلمية.
د- بل صرّح الشهيد الصدر في رسالة خطية له بأعلمية الشيخ اليعقوبي حيث بقول الشهيد الصدر الثاني فيها ((أنت تعلم إنني كنت ولا زلت أعتبرك أفضل طلابي وأطيبهم قلباً وأكثرهم إنصافاً للحق بحيث لو دار الأمر في يوم من الأيام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عَدوتك لكي تبقى المرجعية في أيدي منصفين وقاضين لحوائج الآخرين لا بأيدي أناس قساة طالبين للدنيا))
24. قول المعترض (لقد أوصى السيد محمد الصدر بالرجوع للسيد الحائري في التقليد والشيخ الفياض في إدارة الحوزة من بعده ..وهو يدل على أن السيد ما زال لا يرى الشيخ اليعقوبي مجتهداً).
وجوابه: إن السيد الصدر له وصيتان أحدهما بتقليد سماحة الشيخ اليعقوبي والأخرى تذكر السيد الحائري والشيخ الفياض، ومن الواضح أن وصية السيد لسماحة الشيخ متأخرة عن الإشارة الأولى فتكون هي الحجة والمعتمدة، وأحد أسباب عدم ذكر سماحة الشيخ لوحده وفي مناسبة معلنة للأمة هو الحفاظ على سماحة الشيخ من بطش النظام البعثي، فإن صدام حينما يعلم بالقيادة البديلة للشهيد الصدر فإنه سيقدم على تصفيتها لنفس السبب الذي جعله يقدم على تصفية الشهيد الصدر الثاني وعدم ذكر السيد لأسماء من خارج حوزته وطلبته يرجع إليها بعد وفاته، سيجعل النظام يقصر بحثه وتركيزه على خصوص طلبة السيد الشهيد ومن هو أبرزهم وأقربهم إليه وأخلصهم لمشروعه فيكون هو الهدف للمقصود من قبل النظام البعثي، لإنهاء امتداد مشروع الصدر الثاني، فتكون الإشارة العلنية لغير سماحة الشيخ أسلوب تشتيت لجهود النطام البعثي في ملاحقة خليفة الشهيد الصدر الثاني وحماية وحفظ له من بطش السلطة البعثية، وذكر الوصية بسماحة الشيخ اليعقوبي في حدود كافية لإقامة الحجة على الأمة ووضوح مستندها لتقليد الشيخ اليعقوبي من بعده كافٍ في تنجيز المسؤولية في عهدة الأمة باتباعه وتقليده وهو ما حصل في كلام السيد الصدر الثاني في لقاء طلبة جامعة الصدر الدينية قبل خمسة أشهر من شهادة الصدر الثاني، والتاريخ فيه مثل هذه المواقف فإن إثبات ولادة الإمام المهدي عليه السلام كان يتنازعه أمران لابد من إيقاع التوازن بينهما الأول إقامة الحجة على ولادته والثاني حفظه عليه السلام من ملاحقة السلطة وانتقامها من خلف الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فكان موقف الإمام الحسن العسكري هو حفظ هذا التوازن من خلال جمع أربعين شخصاً من ثقات الشيعة لكي يروا الإمام الحجة عليه السلام وينقلوا ذلك للأمة ولو بالتدريج وعدم إعلان ولادته وعرض الإمام الحجة عليه السلام في العلن وفي أوساط كل الأمة لتجنب وصول خبر ذلك للسلطات الظالمة فتشتد حركتها في المتابعة والملاحقة والبحث .
ومن كل ما تقدم يتضح أن المقصود أولاً وبالذات في مجموع وصايا السيد الصدر الثاني هو التأكيد على تقليد الشيخ اليعقوبي من بعد وفاته، ولكن المصلحة بالإخبار والتوجيه اخذت هذا الشكل لمراعاة التوازن بين أمرين هما حفظ سماحة الشيخ من بطش السلطة البعثية وانتقامها، وبين تثبيت الحجة والدليل على وراثة الشيخ اليعقوبي لقيادة الحوزة والتقليد من بعد شهادة السيد الصدر الثاني.
25. ويقول المعترض إن شهادة الشيخ الكرامي والصادقي لسماحة الشيخ معارضة بشهادة الشيخ الفياض الذي قال بعدم اجتهاد سماحة الشيخ اليعقوبي ! وهذا تدليس منه فإن السؤال الذي تم توجيهه إلى الشيخ الفياض هو (هل أن الشيخ اليعقوبي مجتهد فأجاب الشيخ الفياض : لا يجوز تقليده ..) وفرق بين الاعتراف بالاجتهاد وبين عدم تجويز التقليد لأن الثاني يشترط فيه الأعلمية .. وبكلمة أوضح أن الشيخ الفياض لو كان لا يرى اجتهاد الشيخ لأجاب عن السؤال (بأن الشيخ ليس مجتهداً) بهذه الصيغة .. علماً أن السؤال الموجه للشيخ الفياض كان عن اجتهاد الشيخ ولكن الشيخ الفياض أجاب ( عدم جواز تقليده ) .. فهو ليس إنكاراً لاجتهاد الشيخ ، بل اكتفاء الفياض بجوابه بعبارة (لايجوز تقليده) يفهم منها إقراره باجتهاد الشيخ ولكنه لا يعتقد بأعلميته … وهذا واضح فإن تصدي الشيخ الفياض للمرجعية وطبعه الرسالة العملية يعني أنه يرى وجوب تقليده هو نفسه دون غيره، فجوابه هذا يشمل جميع المراجع المتصدين الآخرين مادام معتقداً هو بأعلمية نفسه.
26. ومما يستدل به هذا المعترض في ترجيح تعارض الشهادات بين الشيخ الكرامي والصادقي من جهة والشيخ الفياض والسيد الحائري – على حد زعم المعترض – هو أن الشهيد الصدر الثاني قد أوصى بالشيخ الفياض والسيد الحائري .. فنقول للمعترض ولماذا هدا اللف والدوران، فما دمت تقول بحجية وصية السيد الشهيد الصدر الثاني فهي نفسها ثابتة بإرجاع مقلديه بعد شهادته إلى سماحة الشيخ اليعقوبي كما أثبتنا سابقاً …وانتهى الجدال.
عبد الزهراء الناصري
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية